دمشق/ مرجانة إسماعيل
في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة والأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها الأسر السورية وانعدام فرص العمل، اضطرت فئة واسعة من النساء بدمشق للعمل بمهن كثيرة كانت حكرً على الرجال في وقت سابق، للحصول على دخل إضافي يساعهن في المصاريف العائلية لسد احتياجات المنازل.
وفي هذه الظروف العصيبة تجد العديد من السوريات أنفسهنّ مضطرّة للعمل في الشوارع وعلى البسطات، والعمل بكافة أفراد الأسرة لسد الاحتياجات الأساسية.
حديث النساء وتبريرهنّ لهذه الأعمال الشاقة، هو غياب وعدم قدرة الرجل على تأمين أبسط مقومات الحياة، وتنتشر عمالة النساء في شوارع دمشق وأسواقها، لمواجهة قسوة الزمن وكسب لقمة العيش، لكن من وجهة نظر المسؤولين، فإنهنّ غير مراقبات صحيا ومنتجاتهم معرّضة للتلف.
في جولة لـ “السوري” بأسواق دمشق تحدثت بعض النساء عن صعوبة البدء بالعمل والنظرة التعجبية للمرأة العاملة في المجتمع، لما لم يكن من المعقول أن تعمل السوريات بمثل هذه المهن.
في لقاء لمراسلنا مع أسماء مسعود (40 عام) من الموظفين الفاقدين لعملهم في المؤسسات الحكومية (بعد قرار سلطة دمشق بفصل معظم الموظفين) تتنقل أسماء في شوارع دمشق مستهدفة المدارس بشكل رئيسي، لتعرض بضاعتها المؤلفة من دفاتر وأقلام ومعدات خاصة بطلاب المدارس.
وتقول أسماء قمت باستدانة مبلغ مالي لكي يساعدني في بناء رأس المال الذي لا يزيد عن 40 ألف ليرة سورية، وتتابع أرباحي اليومية لا تتخطى حاجز الـ 20 ألف ليرة سورية في أفضل الأحوال، وبالكاد أن تكفي مصروف منزلي ليوم واحد، إذ لم يكن لدي أحد من ابنائي الثلاث بحاجة إلى طبيب أو حاجيات أخرى.
وفي السؤال عن حالات التنمر والابتزاز التي تمر بها أسماء أثناء تجولها في الأحياء، لم تنكر أنها تتعرض في بعض الأحيان إلى مضايقات من المارة في ظل ما تشهده العاصمة السورية من انفلات أمني، لكنها تؤكد أنها امرأة ذات شخصية قوية تستطيع أن تحمي نفسها وتقف بوجه أي خطر.
أما صالحة العبد فتعمل على بسطة البالة التي لا تتجاوز المترين تضع عليها عدد من الألبسة المتنوعة مقابل أرباح ضعيفة لا تتجاوز الأف ليرة للقطعة الوحدة، ورغم انخفاض أسعار البالة في دمشق، إلا أن صالحة تشتكي من قلة المبيع، بسبب انتشار الصالات المخصصة ببيع البالة، والتي تحتوي على ماركات عالمية.
خبراء اقتصاد يشرحون الأسباب
وبهذا الخصوص تحدث خبراء اقتصاديون عن الحاجة الماسة لعمل النساء لتأمين المستلزمات الأساسية للمنازل، فإن انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية جعل من الصعب على العائلات الاعتماد على دخل شخص واحد لتأمين سبل العيش. ولم يعد من الممكن أن يعمل الرجل وتكون الزوجة والأطفال بلا عمل كما كان في الماضي.
وتحدث رامي العلي الدكتور المتقاعد في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق أن العديد من الأسر اضطرت لإشراك أبنائها في سوق العمل، سواء كانوا ذكورا أو إناثا. وهذا يعكس الزيادة الملحوظة في عدد النساء العاملات في مختلف قطاعات العمل. بالإضافة إلى ذلك، يشهد الشباب هجرة كبيرة وانخراطا في العمل المسلّح، سواء في صفوف القوات الحكومية أو الفصائل التي تدعمها روسيا وإيران.
وتابع، منظمة “العمل” الدولية صنّفت الفقر في العمل في العالم العربي إلى فئتين. الفقر الشديد ويشمل الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 9.1 دولار أميركي في اليوم بمعدل القوة الشرائية. والفقر المتوسط يشمل الأشخاص الذين يعيشون بين 9.1 و10.3 دولارات أميركية في اليوم بمعدل القوة الشرائية. ويجب ملاحظة أن هذه الأرقام تعتمد على دخل الفرد المشتغل وليس على حجم الأسرة التي يعولها، والتي قد تكون كبيرة العدد.
تلك الظروف الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية هي السبب الرئيسي وراء اتجاه العائلات نحو ممارسة أعمال البسطات. بالإضافة إلى ذلك، أدت الأوضاع الاقتصادية الصعبة إلى تحويل ربات المنزل إلى العمل في منازلهن في مجالات مختلفة، مثل صناعة الحلويات التي حققت شهرة واسعة خلال عيدي الفطر والأضحى في السنتين الماضيتين.
فوضى البسطات تعرقل الحركة المرورية في دمشق
يستاء الأهالي في دمشق وحتى القادمون من المحافظات الأخرة إلى العاصمة من ازدحام السير بسبب البسطات الغير منظمة، وانتشارها في الطرقات والساحات العامة، محملة بأنواع كثيرة من الملابس، والأغذية والمعلبات والمعسل وأدوات التنظيف والشوكولا وغير ذلك.
وكان النظام السوري البائد قد خصص موقع بديل للبسطات والعربات المنتشرة بشكل عشوائي من أجل الحفاظ على السلامة العمة وتنظيم الحركة المرورية ضمن خطة متكاملة لتنظيم الأسواق العشوائية.
لكن مع سقوط النظام وسيطرة الحكومة الجديدة، لم يتم وضع أي خطة عمل لهذه التجاوزات أو التعديات على المرافق العامة، وعلى غرار البسطات انتشرت في الحدائق العامة والدوارات العدد من الحيوانات الأليفة، كالأحصنة وغيرها من الحيوانات، مما خلق استياء شعبي واسع، ومطالبات أهلية لوضع حد لمثل هذه الظواهر.
انقسام الشارع بين مؤيد ومعارض
أثارت الحملات الإلكترونية التي يشنها أصحاب السيارات المارة على أصحاب البساطات انقسام في الشارع السوي، حيث يروج رواد التواصل الاجتماعي أن ظاهرة البسطات والأكشاك داخل المدينة؛ تخلف منظرة غير حضاري ومسيء للعاصمة، ويعرقل حركة السير في المدينة.
فيما يرى اخرون أن الظروف الاجتماعية العصيبة التي تمر بها النساء هي ما تدفعن للعمل بمثل هذه المهن الغير معتاد عليها الشارع السوري، مخاطبين قيادة السلطة في دمشق لعدم اتخاذ أي خطوة اتجاه النساء اللواتي أجبرن على ترك منازلهن من أجل البحث عن لقمة العيش.