لكل السوريين

انقطاع مياه الشرب مشكلة تلاحق سكان ريف دمشق

دمشق/ مرجانة إسماعيل

تحول انقطاع مياه الشرب في ريف دمشق، من مشكلة عابرة إلى أزمة يومية يعاني منها آلاف السكان، حيث تضطر العائلات إلى قضاء ساعات في انتظار وصول الصهاريج أو البحث عن مصادر بديلة للمياه، بينما تزداد معاناتهم مع ارتفاع درجات الحرارة واشتداد حاجة الجسم إلى السوائل. في بعض القرى، أصبحت المياه سلعة نادرة، يتبارى الأهالي للحصول عليها، بينما تختفي من الأنابيب لأيام وأسابيع متتالية دون أي تفسير واضح أو حل جذري من الجهات المسؤولة.

تقول أم علي، وهي سيدة من بلدة بيت سحم: “منذ أكثر من شهر ونحن نعتمد على خزانات المياه التي تملؤها الصهاريج كل أسبوع، لكن الكمية لا تكفي لسبعة أفراد في العائلة. نضطر إلى تقليل الاستهلاك إلى أدنى حد، فلا غسيل للملابس إلا مرة واحدة في الأسبوع، ولا استحمام يومي للأطفال خوفاً من نفاد الماء قبل وصول الصهريج التالي”. وتضيف بحسرة: “في الماضي، كنا نفتح الحنفية لنجد الماء متدفقاً، أما اليوم فأصبحنا نحسب كل قطرة”.

أما أبو أحمد، وهو أب لأربعة أطفال من بلدة الكسوة، فيروي كيف اضطر إلى شراء الماء من السوق السوداء بعد أن انقطعت المياه عن منزله لأكثر من عشرة أيام: “سعر تنكة الماء ارتفع إلى مبالغ خيالية، ولا يمكنني تحمل هذا الثمن كل أسبوع. حاولت جلب الماء من بئر قديم في القرية، لكن الطبيب حذرني من استخدامه لأنه ملوث وغير صالح للشرب”. ويشير إلى أن العديد من الجيران بدأوا يعانون من آلام في الكلى والمعدة بسبب شرب مياه غير نظيفة، لكنهم مضطرون لذلك في غياب البدائل.

ولا تقتصر المشكلة على القرى النائية فحسب، بل تطال حتى بعض ضواحي دمشق التي تعاني من انهيار البنية التحتية وتلف شبكات المياه القديمة. في منطقة دوما، يشتكي السكان من أن المياه تصلهم لبضع ساعات فقط كل ثلاثة أيام، مما يجعل تخزينها في الخزانات المنزلية أمراً ضرورياً، لكن جودة هذه المياه تكون مشكوكاً فيها أحياناً. تقول سمر، وهي شابة تعيش في المنطقة: “حتى عندما تصلنا المياه، تكون عكرة ورائحتها كريهة، ونضطر إلى غليها أو تصفيتها قبل الاستخدام. والدي يعاني من حصى في الكلى، والطبيب نصحه بعدم شرب هذه المياه، لكن ما الخيارات المتاحة أمامنا”.

في بعض المناطق، تحولت طوابير الانتظار أمام نقاط توزيع المياه إلى مشهد يومي، حيث تقف النساء والأطفال بأوعية بلاستيكية لساعات تحت أشعة الشمس الحارقة، على أمل الحصول على حصتهم قبل نفاد الكمية. أحد كبار السن من بلدة حران العواميد يروي بتأثر: “في عمري هذا، أضطر إلى السير كيلومترات كل يوم لجلب دلوين من الماء، وإذا تأخرت، ينتهي المخزون وأعود خالي الوفاض. هذا وضع مهين لا يليق بإنسان”.

وتتعدد أسباب انقطاع المياه، منها تلف شبكات التوزيع القديمة، ونقص الصيانة، وعدم توفر كميات كافية من المياه الجوفية، بالإضافة إلى ازدياد الطلب بسبب النزوح والنمو السكاني. لكن غياب الحلول الفعالة والفساد الإداري يزيدان الأزمة تعقيدًا، حيث تتراكم الوعود الحكومية دون تنفيذ، بينما يدفع المواطنون الثمن من صحتهم وأموالهم.

المياه هي أساس الحياة، لكن في ريف دمشق، أصبحت سبباً للقلق اليومي والمعاناة المستمرة. قصص الأهالي تكشف حجم المأساة التي يعيشونها، حيث تحول الحصول على جرعة ماء نظيف إلى رفاهية لا يستطيع الجميع تحملها. في القرن الحادي والعشرين، وفي منطقة كانت تعرف بأنها مهد الحضارات، لا يزال الناس يموتون عطشاً أو يمرضون بسبب شرب مياه ملوثة، بينما تبقى الحلول غائبة، والمعاناة مستمرة.

- Advertisement -

- Advertisement -