لكل السوريين

محافظة السويداء.. إطلاق النار على المتظاهرين والتظاهرة المركزية الأسبوعية تنوّع أساليبها

تواصلت المظاهرات الشعبية في محافظة السويداء بزخم يتزايد يوماً بعد يوم، وتوافدت الحشود من جميع مناطق المحافظة إلى ساحة الكرامة للمشاركة في التظاهرة المركزية الأسبوعية يوم الجمعة، وتجاوز عدد المشاركين حاجز الاربعة آلاف، هتفوا بإسقاط النظام وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وطالبوا بالكشف عن المغيبين قسراً والإفراج عن المعتقلين، والكف عن ملاحقة المتظاهرين من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، وإلغاء محكمة الإرهاب وقراراتها.

وأعلن المتظاهرون بيانات تؤكد على مطالبهم، وإصرارهم بأنه لا عودة عن هذه المطالب.

وقاموا بتأدية قسم يؤكد على وحدة السوريين في كل أنحاء البلاد وعلى وحدة التراب السوري.

وتميزت التظاهرة المركزية هذا الأسبوع باللافتات التي رفعها المحتجون، وجاء في بعضها عبارات مثل “عندما تجتمع الحكمة والعقل لا يمكن لأحد الوقوف في وجههما” و” تستند الحقوق الأساسية إلى القيم المشتركة مثل الكرامة والمساواة والاحترام”، و “لا نريد حرباً مع أحد.. لا نريد العنف.. لن ننجر كما يريد النظام.. نريد تطبيق القرار 2254”.

وفي موقف لافت أكد المحتجون على سلمية حراكهم في رد على حادثة إطلاق النار التي نفذها عناصر يعتلون أسطح مقر فرع حزب البعث في المدينة، وأسفرت عن إصابات بين المحتجين،

وترجم المتظاهرون التأكيد على السلمية من خلال هتافاتهم، والدخول إلى قيادة فرع الشرطة في المدينة، وتقديم “المنسف” الذي تعرف به المحافظة للعناصر الموجودين في المبنى.

وتحولت ساحة الكرامة إلى منصة لجميع النشاطات وأساليب التعبير عن الاحتجاج التي تنوعت بين الرسم الكاريكاتيري والرقصات الشعبية وتقديم منتجات المنطقة من الفواكه والحلويات والأطعمة التقليدية التي تصنعها النساء للمتظاهرين لدعمهم وتشجيعهم على الاستمرار في الاحتجاجات.

اللجوء إلى السلاح

أطلقت عناصر مسلحة متمركزة على أسطح فرع حزب البعث بالسويداء النار على المتظاهرين أثناء توجههم إلى المبنى  في محاولة لإغلاقه بعد أن وردت معلومات عن عودة الموظفين إليه بعد إغلاقه قي وقت مبكر من الاحتجاجات، وأسفرت الحادثة عن إصابة شابين من المتظاهرين السلميين، وآخر كان يستقل مركبته الخاصة، وتصادف مروره على الطريق المقابل للمبنى مع إطلاق النار.

ونقل المصابون إلى المشفى، وانسحبت مجموعة المتظاهرين دون وقوع أي اشتباك مع العناصر المسلحة، وتوجه بعضهم  إلى منزل الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين الشيخ حكمت الهجري، للتشاور حول الإجراءات المناسبة للرد على هذا الاستفزاز، وحمّل الشيخ “الدوائر الأمنية الفاسدة” المسؤولية عن الحادث، وقال إنه لن يردع الحراك الشعبي، وطالب المحتجين بضبط النفس، وعدم الانجرار وراء الفتنة الأمنية الرامية لإراقة الدماء، وقال “لن نتنازل عن مطالبنا، الشارع لنا وسنبقى يوم، يومين، وشهر وشهرين، وسنوات”

وتجمع المحتجون في ساحة الكرامة بوقفة مسائية وجهوا خلالها عبر هتافاتهم رسالة فيها رد على إطلاق النار وقالوا “لن يزيدنا رصاصكم وترهيبكم إلّا إصراراً على التمسك بالحراك السلمي”.

وأكدت مختلف المجموعات المحلية في المحافظة عدم نيتها الانجرار للعنف والرد على قيام عناصر حزب البعث بإطلاق النار لتفريق المتظاهرين السلميين.

وفي أعقاب حادثة إطلاق الرصاص، أغلق متظاهرون مقر حزب البعث في بلدة المزرعة، كما أغلق أهالي بلدة الغارية مبنى فرقة الحزب وقرروا تحويلها إلى روضة أطفال تحمل اسم روضة الحرية.

وأعلن عضوان من فرع الحزب في السويداء استقالتهما من الحزب والوقوف مع الأهالي في ثورتهم المنادية بإسقاط النظام، وتداولت الأنباء قيام أعضاء آخرين بخطوة مماثلة

بيان الحزب

لتوضيح أسباب إطلاق النار على المحتجين، أصدرت قيادة فرع السويداء لحزب البعث، بياناً جاء فيه أن “مجموعة من المطلوبين والتابعين لفصائل محلية بادرت إلى الهجوم على مقر حزب البعث بحثاً عن استفزاز وإشكال مباشر مع عناصر حراسة المقر، الأمر الذي دفع بعناصر الحراسة إلى طردهم”.

وأشار البيان إلى أن المجموعة أقدمت خلال الأيام الماضية على إغلاق الباب الرئيسي لمقر فرع الحزب وعدد من مقرات الشعب والفرق الحزبية على ساحة المحافظة، وعملت على منع مفرغي وقيادات الحزب من الدوام في مقراتها، وزعم أن ” المؤسسات الحزبية في المحافظة تعاملت مع هذا الموضوع بضبط النفس تجنباً للصدام والفوضى”.

واستمر البيان في زعمه “لكن حالة الاحتواء والاستيعاب التي تعاملت بها مؤسسات الحزب قوبلت بالمزيد من التمادي من قبل هذه المجموعات، ما استدعى ضرورة الدفاع عن مقر الفرع والوقوف في وجهها، وعدم السماح لهم بالدخول”.

وفي تهديد مبطن أنهى الفرع بيانه بالقول “ما حصل أوصل المحافظة إلى حالة من الفوضى ستكون لها نتائج خطرة”.

بيان المتظاهرين

مع دخول الاحتجاجات يومها السادس والعشرين، حدد متظاهرو السويداء في بيان لهم المطالب التي دفعتهم للخروج إلى الساحات.

وأكدوا في بيان تلته سيدة من أهالي السويداء وسط جموع المتظاهرين، على أنهم دعاة سلام وأمان واستقرار وعدالة، وأشاروا إلى استمرار المظاهرات السلمية والمدنية في ساحة الكرامة حتى رحيل النظام، وركزوا على ضرورة التغيير السياسي وفقاً للقرار الأممي 2254، وإحالة مجرمي الحرب بحق الشعب السوري إلى محكمة الجنايات الدولية، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، والكشف عن مصير المغيّبين قسرياً، والكف عن ملاحقة المتظاهرين السلميين وإلغاء القرارات غير الشرعية الصادرة عن محكمة الإرهاب واصدار عفو عام.

واعتبر البيان أن “الخدمات الاقتصادية من كهرباء ومحروقات ومياه، أساسيات الحياة، وليست منّة من أحد وهي غير قابلة للتفاوض أو المساومة”

وحمَل “سلطات النظام وحزب البعث والأجهزة الأمنية مسؤولية إراقة الدم السوري”.

واختتم البيان بتوجه رسالة إلى الجامعة العربية والأمم المتحدة والمنظمات الأممية والحقوقية والإنسانية والمحافل الدولية ذات الصلة، وطالبها بأخذ دورها في تحقيق مطالب الشعب السوري.

بيان مجلس المحافظة

وكان مجلس محافظة السويداء قد أصدر بياناً قوبل برفض واستنكار معظم أهالي المحافظة، وزعم البيان حدوث تغيير من قبل مجموعة من المواطنين من المطالبة بحقوقهم في العيش الكريم إلى “رفع رايات حملها أعداء سورية وكانت راية للإرهاب الذي قتل ودمر وشرد المواطنين على امتداد الجغرافية السورية وأطلقت شعارات انفصالية تدعو الى إحداث إدارة ذاتية بعيدة عن نهجنا وتاريخنا الوطني”.

وأشار البيان إلى أنه “لا يحق لأي كان أن يرفع شعارات باسم أهل محافظة السويداء أو يتحدث باسمهم إلّا عبر المؤسسات الرسمية التي شرعها الدستور والقانون السوري”.

وطلب من القوى الأمنية والجهات المسؤولة عن حفظ الأمن، “الحفاظ على أمن الموظفين والمؤسسات والدوائر لضمان استمرارية عملها دون اي عائق كان وذلك لتأمين الخدمات للمواطنين”.

واختتم المجلس بيانه بنداء موجه إلى أبناء المحافظة قال فيه “نهيب بأهلنا بالسويداء عدم الانجرار وراء التضليل الإعلامي المرئي والمسموع وعبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تبث سموماً غايتها إحداث الفوضى والشغب بالمحافظة”.

ردود فعل الهيئة الروحية

أثارت حادثة إطلاق النار على متظاهرين في السويداء غضب الأهالي بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم، وخاصة رجال الدين منهم.

وتعقيباً على الحادثة لم يستغرب الشيخ حكمت الهجري الأمر، ودعا إلى ضبط النفس وعدم الانجرار إلى مؤامرة والبقاء في الشارع وعدم التنازل عن المطالب.

وخاطب المحتجين الذين توجهوا إلى منزله بقوله “مطالبكم محقة والنصر حليفكم، كونوا حراساً لحراككم السلمي ونحن في معكم، هدفنا العيش في وطننا بالحد الأقصى من الكرامة، وعنواننا كرامة لكل الشعب السوري”، وحيّا وقوف النساء بجانب الرجال خلال المظاهرات.

وبعد حديثه عن معلومات وصلت إليه بأن من أطلق الرصاص هم من “الميليشيات الإيرانية”، قال إن “إيران ومنذ دخولها للبلد محتلة ويجب الجهاد ضد ميليشياتها التي نعتبرها احتلالاً”.

وانضم سماحة شيخ عقل طائفة المسلمين الموحدين حمود الحناوي، إلى التنديد بحادثة إطلاق النار، وظهر في تسجيل مصور نشرته شبكات إخبارية محلية، قال فيه أمام حشد من الناس إن إطلاق النار لا يمكن السكوت عنه، “إللي بدو يطلق النار على ولادنا بعدوا ما عاش”، ووجه عبارات لاذعة لإيران وميليشياتها الداعمة للنظام.

وتابع الشيخ “ليعلم من هم على رأس السلطة أنهم هدموا الإنسان، سكتنا طويلا لنحافظ على وحدة الوطن ودم الأبناء، دوام الحال من المحال والعروش لا تدوم بالعبث والقهر والظلم والتعديات”.

وقال خلال استقباله لعشرات المحتجين في منزله “كرجال دين فإن القتل محرم عندنا لكن إذا تعرضنا لأي خطر سنكون في الأمام وليس في الخلف”، وأكد الحناوي على سلمية الحراك، وختم حديثه بعبارة “البلد بدها حل لمشاكلها.. مش قادر تحل المشاكل في غيرك بحلها”.

لقطات من ساحة الكرامة

اعتاد المحتجون في السويداء على التجمع والتظاهر في ساحة الكرامة وسط المدينة خلال السنوات الماضية، لكن الساحة تحولت هذه المرة إضافة لذلك، إلى منصة للنشاطات وأساليب التعبير عن الاحتجاج، منها الرسم الكاريكاتيري والرقصات الشعبية وتقديم منتجات المنطقة من الفواكه والحلويات والأطعمة التقليدية التي تصنعها النساء للمتظاهرين كدعم وتشجيع على الاستمرار في الاحتجاج.

وكان أخرها  تقديم وليمة كبيرة بعد التظاهرة المركزية الأسبوعية يوم الجمعة أطلق عليها اسم “قٍرى الحرية”، ويعتبر القٍرى من العادات والتقاليد الاجتماعية في محافظة السويداء يقدم عادة في الأعراس للتعبير عن الفرح، ولتكريم الضيوف الذين قدموا من مناطق بعيدة للمشاركة والاحتفال.

لكن مناسبته اختلفت قليلاً هذه المرة، حيث قرر شاب من آل عزام أن يقيم وليمة كبيرة من حر ماله للمتظاهرين في الساحة، وقال إنه شاهد على إحدى القنوات التلفزيونية حواراً يتهم متظاهري السويداء بأنهم يأتون إلى الساحات من أجل “سندويشة وعلبة كولا”، وهو ما استفزه ودفعه إلى اتخاذ قراره، وطرح فكرته على المنظمين دون أن ينتظر جوابهم باعتبار أن القاعدة في المنطقة تقضي بأنه “لا ترد الكريم عن كرمه”.

وقدمت الوليمة بعد انتهاء المظاهرة، حيث تمت دعوة أهالي القرى للطعام، وأرسل “منسف” مخصص لعناصر الشرطة إلى مبنى قيادة شرطة المحافظة تأكيداً من المنظمين للحراك على أن كل أبناء سورية أهل، وتم تخصيص “منسف رمزي” للمغيبين والمعتقلين سوف يتم تقفيره بالسمن العربي عندما يعرف مصيرهم وينعمون بالحرية.

وعلى صعيد آخر، شارك الفنان السوري علي ديوب، ابن مدينة مصياف برسم لوحات تشكيلية في الساحة، ووجه رسالة لأهالي السويداء أعرب فيها عن تضامنه مع انتفاضتهم، وأشار إلى أن مشاركته كانت بهدف تقديم رسالة مفادها أن الشعب السوري مليء بالحب والجمال والتوق إلى مستقبل سوري مشرق.