لكل السوريين

قصر الزهراوي أجمل قصور حمص وتحفة فنية غنية معمارية.. تعرّف عليه

حمص/ بسام الحمد

يمثل بناء قصر الزهراوي الأثري من أجمل قصور مدينة حمص السورية القديمة، هذا القصر الذي يرقى تاريخه إلى 750 سنة خلت، نموذجاً رائعاً للبيوت ذات الطابع الأصيل والطراز المعماري الفريد.

يقسم قصر الزهراوي إلى خمسة أقسام، حيث دلّت التحريات الأثرية عام 1990 على وجود مدفن بيزنطي تحت الأقبية في الجناح الجنوبي من القصر. كما يوجد قبوان تحت الأرض وفوقهما قبوان آخران كائنان في الجهة الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية، بناؤهما بيزنطي. وتشكل هذه الأقبية القسم الأول. أما القسم الثاني فهو بناء يعود إلى العهد الأيوبي وأوائل العهد الملوكي، كما تدل اللوحة الحجرية على ساكف الباب الشرقي للقصر المؤرخة عام 661 للهجرة، حيث بنى التاجر “علي ابن أبي الفضل الأزهري”، الأجنحة الثلاثة المطلة على الفناء الداخلي للقصر الشمالي ـالغربي والشرقي.

والقسم الثالث مملوكي أنشىء كجناح للحكم عام 665 للهجرة. أما القسم الرابع، فقد ورد في وقفية الزهراوي المؤرخة عام 1024 للهجرة ذكر للشيخ “موسى بن زهراوي” الذي توفي عام 855 للهجرة، فيكون بناء زاوية الشيخ “موسى الزهراوي” قبل ذلك العام. والقسم الخامس هو القصر الغربي العثماني الذي استعمله الشيخ “عبد الحميد الزهراوي” أحد رواد النهضة العلمية والفكرية في سوريا.

ويتألف بناء الزهراوي الواقع في شارع “عمر المختار” في حي “باب تدمر” من كتلتين معماريتين متجاورتين، الأولى: تعرف بالدار الكبيرة وسميت بذلك لرحابة صحن الدار وتعدد القاعات والأروقة والغرف وأجنحة المتطلبات اليومية ضمن مساحة تعادل 600 م2، وشيدت هذه الكتلة في العهد المملوكي (القرن الثالث عشر الميلادي ـ السابع الهجري). والثانية: تعرف بالقصر، ويرجع تاريخ بنائها إلى أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر الميلادي (العهد العثماني). وقد عرفت الدار الكبيرة مع القصر المجاور فيما بعد ـمنذ الربع الأول من القرن الماضي باسم قصر الزهراوي واشتهرت بهذه التسمية نسبة إلى العائلة التي أقامت واستقرت فيها.

وعن الفنون المعمارية فيه، فيتم الدخول إلى الدار عبر ممر يؤدي إلى فسحة سماوية وتحيط بها الأجنحة من جميع الجهات. والمبنى المؤلف من طابقين، السفلي وفيه الجناح الجنوبي عبارة عن إيوان صيفي تعلوه قبة صدفية الشكل محاطة في أسفلها “بمقرنصات”.

ويجاور الإيوان من الجانبين غرفتان. وداخل الجناح قاعتان تعلوهما قباب تجاور كلا منهما غرفتان مزدانتان بعقود. أما الجناحان الشرقي والغربي، فهما عبارة عن غرف مغطاة بعقود والجناح الشمالي عبارة عن قاعة رئيسية تعلوها قبة، وتجاورها من الجانبين قاعتان أصغر، ويمكن الوصول إلى الطابق العلوي عبر درجتين في الجهتين الشرقية والغربية. ويشمل الطابق العلوي كامل المبنى عدا الجناح الجنوبي. وقد بلّطت أرضية الدار بالحجر البازلتي الأسود، وهو نوع الحجر ذاته المستخدم في بناء جدران الدار.

ويتألف الجناح العثماني من باحة وسطية وجناحين، شمالي وجنوبي. والجناح الجنوبي مهدم، لم يبق منه شيء. أما الشمالي فهو قاعة كبيرة تتلوها قاعة أخرى لها شرفة وهو بسيط في بنائه.

وجدير بالذكر أن تغيرات معمارية عديدة طرأت على الدار شملت الكسوة الجدارية، مما أدى إلى طمس معالم الزخارف والكتابات الجدارية الأصلية والفريسك فضلاً عن التغيرات التي شملت النجارة الخشبية.

وتدل أحجار البناء على إنها منقولة من أبنية أثرية أخرى ترجع لعهود أقدم من تاريخ البناء، مظهرة عدم التوافق والتناظر الزخرفي والهندسي. وتتجلى في قصر الزهراوي تقاليد معمارية غنية عرفت في العهد الأيوبي والعهود الإسلامية التي سبقته، منها المقرنصات الركنية والأقواس بمختلف أنواعها والعقود والتحصينات والشرفات وغيرها.

دلّت كتابة تأسيسية بالخط الثلث البدائي منقوشة بسطر واحد على لوحة من الحجر الأبيض الكلسي بطول 131 سنتيمتراً وعرض 5و19 سنتيمتر مثبتة فوق الباب الرئيسي للواجهة الشمالية المطلة على باحة الدار الكبيرة “الجناح المملوكي” على أن من أنشأ البناء هو “علي بن أبي الفضل الأزهري”، وقد وقفه لمن بعده من أولاده وأحفاده. وثمة نص آخر مدون على لوحة حجرية بطول 36 سنتيمتراً وعرض 30 سنتيمتراً بالخط الثلث.

تشير إلى أن باني البوابة أو الطريق هو “علي الأزهري” سنة 660 للهجرة، والنص المذكور يعلو بوابة الدار، وهي قنطرة ذات قوس ثلاثي الفصوص، وقد استبدلت تلك البوابة في فترة لاحقة، عندما انهار القسم الغربي وأعيد بناؤه بمدخل آخر إبان العهد العثماني يوصل إلى صحن القصر مباشرة، وأغلق المدخل الأصلي واستبدل به منهل حجري (سبيل ماء للعابرين). وسيصار إلى نقل هذا المنهل إلى باحة الدار الكبيرة، بعد أن تم توثيقه بالمخططات والصور الضوئية ليصار إلى عرضه متحفياً، كما يقول عبد العزيز الرفاعي المشرف على ترميم القصر.

تم استملاك القصر من قبل المديرية العامة للآثار والمتاحف 1976 بغية تحويله إلى متحف للتقاليد الشعبية. ومن أجل هذه الغاية بدأت أعمال الترميم سنة 1981 بإعداد المخططات المعمارية والإنشائية، وفي عام 1982 بدأت أعمال المرحلة الأولى بإنجاز بعض الأعمال الإنشائية، من عقود وقباب وجدران منهارة.

ومن المقرر أن يضم متحف التقاليد الشعبية (قصر الزهراوي) ضمن أجنحته وقاعاته جميع الصناعات اليدوية التي انقرضت أو التي في طريقها للانقراض كأدوات الصناعات النسيجية والخشبية والحديدية، ونماذج للأثاث المنزلي الريفي وأثاث المنزل الحمصي، فضلاً عن الأزياء التقليدية المحلية والأسلحة الشعبية وأدوات التسلية والترفيه، بالإضافة إلى توثيق الأهازيج المحلية وتخصيص قاعة للأطفال وتحتوي على أدوات الألعاب التي تخلى عنها الجيل الحالي، وقد خصص الطابق الأول لإدارة المتحف ولعرض الصناعات اليدوية المحلية والمضافة الشعبية وخصص الطابق العلوي للأزياء والتحف النفيسة والأدوات التي كانت شائعة الاستعمال قبل نصف قرن أو أكثر.