يحيي العالم في السادس والعشرين من حزيران من كل عام اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، في وقتٍ تشهد فيه سوريا واحدة من أخطر أزماتها الاجتماعية والأمنية المرتبطة بتصاعد تجارة وتصنيع وترويج المخدرات، حيث حول النظام السابق البلاد خلال السنوات الماضية إلى مركز إقليمي رئيسي لإنتاج وتصدير المخدرات، وعلى رأسها “الكبتاغون”، نحو دول الجوار والمنطقة.
وبينما تهدف هذه المناسبة العالمية إلى تعزيز الوعي المجتمعي بمخاطر الإدمان ودعم جهود الوقاية والعلاج، فإن الواقع السوري يُظهر اتجاهاً مقلقاً، يتمثل في استمرار بعض شبكات تهريب المخدرات.
وبرزت سوريا خلال العقد الماضي وتحديداً مناطق سيطرة النظام، كمركز رئيسي لإنتاج حبوب “الكبتاغون”، حيث تشير تقارير أممية إلى وجود معامل ومصانع سرية تعمل تحت حماية جماعات مقربة من أجهزة الأمن، وتستخدم البنية التحتية المدنية والمرافئ لنقل المخدرات إلى دول الخليج والأردن ولبنان، وحتى إلى أوروبا.
وتقول مصادر حقوقية إن “الدولة العميقة” داخل مؤسسات النظام لعبت دوراً مباشراً في تنظيم عمليات التصنيع والتصدير، مستفيدة من الانهيار الاقتصادي وغياب الرقابة، ما جعل من تجارة المخدرات مورداً مالياً بديلاً للنظام خلال فترة حكمه في ظل العقوبات الدولية الخانقة.
وتركت هذه الظاهرة محلياً تداعيات كارثية على النسيج الاجتماعي، حيث تسجّل مناطق عدة في سوريا، لا سيما في الأرياف والضواحي الفقيرة، ارتفاعاً ملحوظاً في نسب الإدمان بين فئة الشباب، وسط غياب برامج العلاج والدعم النفسي والاجتماعي. كما ارتبطت تجارة المخدرات بتفشي الجريمة المنظمة، وانتشار الأسلحة، وتدهور الأمن المجتمعي، خاصة في مناطق التماس والنزاع.
وأعربت عدة دول في السنوات الأخيرة، أعربت عن قلقها المتزايد من تحول سوريا إلى “دولة مخدرات”، إذ ضبطت السلطات الأردنية والسعودية واللبنانية شحنات ضخمة من الكبتاغون قادمة من الأراضي السورية. وفي أكثر من مناسبة، ربطت الحكومات الإقليمية بين استمرار تدفق هذه المواد المخدرة وبين بقاء شبكات أمنية وعسكرية موالية للنظام.
وقد طالبت تقارير دولية، من بينها تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، بضرورة تفكيك هذه الشبكات ومحاسبة المسؤولين عنها، ووضع الملف ضمن أولويات أي حل سياسي مستقبلي للأزمة السورية.
وفي مناطق الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا، تبذل الإدارة جهوداً لضبط الحدود ومنع دخول المخدرات، إلى جانب تنفيذ حملات توعية في المدارس والمراكز المجتمعية. إلا أن التحدي يبقى كبيراً في ظل ضعف الإمكانيات وغياب الدعم الدولي الكافي.
وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، جدد نشطاء ومؤسسات مدنية سورية مطالبتهم المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته تجاه “تحويل سوريا إلى بؤرة إقليمية لتجارة المخدرات”، ودعوا إلى فتح تحقيقات دولية شفافة حول دور النظام السابق وشبكاته المرتبطة بهذه التجارة، واتخاذ خطوات جدية لعزل ومعاقبة المتورطين، وتقديم الدعم للمجتمعات المتضررة في الداخل السوري.
ويُنظر إلى هذه الظاهرة المتفاقمة على أنها تهديد مزدوج، لا يقتصر على الصحة العامة، بل يمتد ليقوّض الأمن الإقليمي ويعوق أي مساعٍ لتحقيق السلام والاستقرار في سوريا والمنطقة.