لكل السوريين

رغم كل الصعوبات.. سوريات ينجحّن بكسر احتكار الرجال لقيادة السيارات

يبدو مشهد قيادة المرأة للسيارة غريباً في الأرياف السورية، بعكس المدن، وذلك لاعتبارات تعود للأعراف والتقاليد والتي عززتها سنوات الثورة بفرض نوع من القيود غير المكتوبة والتي لم تتخذ شكل قرار بالمنع، إلّا أنها كرّست صورة ذهنية عند أهالي الريف بإبداء نوع من الدهشة والتهكم على قيادة المرأة للسيارات، ومنع الرجال لنسائهم من هذا الحق تجنباً للحرج أو لقناعات راسخة بتحريم هذا الفعل بالرغم من عدم وجود أي نص شرعي ينص على هذا التحريم، مع الأخذ بعين الاعتبار سماح المملكة العربية السعودية للنساء بقيادة السيارات منذ ما يزيد عن العام، وبذلك يكون حق القيادة مكفولاً في جميع دول العالم.

وبالرغم من نيل المرأة السورية لحق الحصول على شهادة السياقة وقيادة السيارات في سوريا، بموجب المادة الثالثة والعشرين من الدستور السابق والتي نصت على “توفر الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع”، إلّا أن قيادة السيارات انحصرت عند الذكور في الأرياف السورية، إذ تكاد تنعدم صورة النساء اللواتي يقدن السيارات فيها، بينما تظهر في المدن دون أن تخلو من السخرية والتهكم، ومحاولة النيل من النساء واتهامهن بالجهل بقوانين السير ومخالفة الأنظمة، وعدم القدرة على إثبات الذات، كذلك تغيب المرأة عن قيادة الحافلات العامة والسيارات الكبيرة والشحن.

ويرى بعض الذين التقيناهم أن منع النساء من قيادة السيارات في الأرياف نتج بالدرجة الأولى عن العادات والتقاليد، وأن وجودها في المدن يعود إلى تحرر المجتمعات المدنية من هذه العادات وانتشار العلم وضعف الروابط الاجتماعية، ما يجعل النساء أقل عرضة للانتقاد من محيطهن، ومع طول المدة ألِف السكان رؤية نساء تقدن سياراتهن وهو ما ساهم في زيادة أعدادهن.

تقول رهف وهي امرأة متزوجة من ريف حلب إنها لم تجد مبرراً منطقياً لمنعها من قيادة السيارة بالرغم من ندرة هذه الظاهرة في المنطقة التي تسكنها، وهو ما دفعها لتعلم القيادة وممارستها، للوصول إلى مكان عملها في صالون للتجميل تديره، ويبعد ما يزيد عن 1.5 كيلو متر عن بيتها.

ترى رهف أن قيادة النساء للسيارات تعدّى حدود الرفاهية ليصبح حاجة ملحّة، وهو ما دفعها بعد تردد لطرح الأمر على زوجها خوفاً من عدم تقبله للفكرة، إلّا أنه قابلها بالترحيب والتشجيع، ما أكسبها ثقة بنفسها للقيام بهذه الخطوة، كما قام بتدريبها على القيادة بنفسه في أيام العطلة وأوقات الفراغ.

تقود رهف سياراتها إلى مكان عملها وتقول إنها تتظاهر بـ “اللامبالاة” أمام ردة فعل السكان الذين تواجههم في طريقها، إلّا أنها تتحسب مقابلة الأشخاص وخاصة كبار السن الذين يرفضون ما تقوم به، كيلا تجد نفسها مضطرة في كل مرة للدفاع وتبرير قيادتها للسيارة ما يشعرها بالتوتر، ولا يخلو المكان من بعض المؤيدين والمشجعين لها على قيادة السيارة باعتبارها حالة طبيعية وواجبة.

“تسهيل قضاء الأمور والحاجات الشخصية والدائمة السبب الرئيسي الذي يقف خلف اتخاذي لقرار القيادة والاعتماد على النفس” تقول رهف معتبرة أن الأمر بحاجة لـ “قوة شخصية المرأة والجرأة للاستقلالية بالذات لاغير، لأنه أمر طبيعي وليس بالغريب”، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض المواقف التي قد تصادفها في الطريق كاستغراب الأطفال الذين كثيرا ما تواجههم يصرخون باستغراب وتعجب (ياااااااا بنت عم تسوق سيارة!!!).

كثيرة هي المواقف التي تحتاج المرأة إلى من يساندها في اتخاذ القرار وإعطائها الجرأة لتخطو خطواتها بثقة ودون تلكؤ متحدية الظروف والعقبات، وخاصة العادات السلبية في بعض المجتمعات والتي تشكل غشاوة على أعين البعض، منهم أولئك الذين يقل اختلاطهم بالناس خارج حدود المنطقة المكانية والذين ينحصر تفكيرهم بالمجتمع دون الاستناد على أدلة علمية أو شرعية يتذرعون بها في اتخاذ قراراتهم التي يفرضونها على المرأة التي باتت تقاسم الرجل أعباء الحياة، وخاصة المرأة العاملة والتي تزيد مهامها عن مهام الرجل إذا اختارت أن تكون له عوناً في تحمل أكلاف الحياة ومصاعبها.