لكل السوريين

حقوقي سوري.. سوريا بحاجة إلى دستور عادل يعيد الثقة بين السوريين

حاوره/ مجد محمد

أكد رفيق عبد الإله على إن تقدير الوقت الذي ستستغرقه صياغة دستور جديد لسوريا يعتمد على عوامل عديدة، من أهما أن يكون الدستور سوري لك السوريين يمثل جميع الطوائف والأديان والمكونات في سوريا، وأي دستور خارج هذا الإطار قد يعيد الأزمة السورية إلى بدايتها قبل 14 عام.

يعد التوافق الوطني في سوريا هدفاً ملحاً للخروج من الأزمة الممتدة منذ سنوات، وفي هذا السياق يعتبر الدستور والإصلاحات السياسية الركيزة الأساسية لتحقيق هذا التوافق، باعتبارهما الإطار الذي يحدد شكل الدولة وطبيعة الحكم وحقوق وواجبات المواطنين، ومع ذلك فأن تحقيق هذا الهدف يواجه العديد من التحديات سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي.

يمثل الدستور وثيقة قانونية وسياسية تنظم العلاقة بين الدولة والمجتمع، وفي السياق السوري يشكل إعداد دستور جديد أو تعديل الدستور الحالي ضرورة لأعاده بناء الثقة بين مختلف الأطراف، فيجب أن يكون هذا الدستور انعكاساً لتطلعات الشعب السوري بمختلف مكوناته وأن يضمن العدالة والمساواة والتمثيل العادل للجميع، ويجب أن يتضمن الدستور السوري مبدأ الفصل بين السلطات لضمان توازن القوى بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وضمان حقوق الإنسان والحريات الاساسية كحرية التعبير، والتجمع والمعتقد، بعيداً عن أي تمييز، واللامركزية الإدارية كحل لإدارة التنوع الثقافي والاثني في سوريا، وتعزيز التنمية المحلية وأن يكون دور الجيش في حماية الدولة وليس التدخل في السياسة، لضمان حيادية المؤسسات العسكرية.

إلى جانب الدستور تعد الإصلاحات السياسية عاملاً حاسماً في تحقيق التوافق، فالأزمة السورية أظهرت الحاجة إلى نظام سياسي جديد يضمن التعددية ويتيح الفرصة للتداول السلمي للسلطة، ويحد من المركزية المفرطة، وإصلاح النظام الانتخابي لضمان نزاهة الانتخابات، وتعزيز مشاركة جميع القوى السياسية دون إقصاء وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وخاصة القضاء والأجهزة الأمنية لضمان حياديتها واستقلاليتها، وتمكين المجتمع المدني واشراك المعارضة السياسية لرسم ملامح المرحلة الانتقالية بما يضمن تمثيل جميع الأطراف.

وفي هذا الصدد عقدت صحيفتنا “السوري” حواراً مطولاً مع الحقوقي رفيق عبد الإله عضو الحزب السوري الوطني، ودار الحوار التالي:

*رغم أهمية الدستور والإصلاحات السياسية، ما هي العقبات التي تعرقل تحقيقهما؟

انعدام الثقة بين الأطراف المتصارعة والتدخلات الخارجية والإرث الثقيل للصراع وضعف المؤسسات الوطنية، ولكن رغم هذه العقبات والتحديات إلا أنه هناك فرص لتحقيق التوافق إذا ما توافرت الإرادة السياسية الداخلية والدعم الدولي البناء، ومن بين الخطوات التي يمكن اتخاذها هو الحوار الوطني الشامل لضمان دور فاعل للأمم المتحدة وتعزيز المصالحة الوطنية، فالدستور هو الوثيقة الوحيدة التي تجمع الجميع على قواعد مشتركة والإصلاحات السياسية هي الآلية التي تترجم تلك القواعد إلى واقع عملي، ولكن نجاح هذه الجهود مرهون بتضافر الجهود الداخلية وبتحييد التدخلات الخارجية التي تسعى لخدمة مصالحها الخاصة على حساب استقرار سوريا، لأن تحقيق التوافق السوري ليس مجرد خيار بل هو ضرورة حتمية لإنقاذ البلاد من دوامة العنف والانقسام ولا يمكن الوصول إلى هذا الهدف إلا عبر وضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار والعمل بروح جماعية على بناء دولة مدنية ديمقراطية تلبي تطلعات جميع السوريين وتفتح صفحة جديدة من الأمل والبناء.

*إلى أي درجة يعد التوافق الوطني في سوريا هدفاً ملحاً في هذه الفترة، ولتحقيق هذا الأمر ما هي نقطة الارتكاز للانطلاق منها؟

التوافق الوطني هو الأساس لأي عمل سياسي على الاطلاق، مكونات المجتمع السوري كما نعلم جميعاً هي مكونات معقدة فالمجتمع السوري من الناحية التاريخية هو من أقدم المجتمعات لذلك كانت سوريا هي البؤرة الحقيقية لتفاعل حضارات الشرق والغرب في هذه المنطقة، لذلك نشأت عندنا هذه التركيبة الصعبة والمعقدة ولكن لابد ان نتوافق عليها جميعاً، وبالتالي أنا وفق تقديري بأن الدستور بحد ذاته يتضمن مبادئ عامة أعتقد إنها ستكون متوافقة مع كل المبادئ المعمول بها على الإطلاق في كل دساتير العالم، ولكن القضية لا تكمن في هذه المبادئ بالقدر بتطبيق هذه المبادئ، ويمكننا أن نقول في الدستور بفصل السلطات عن بعض ولكن يجب تطبيقها فعلياً على أرض الواقع.

*السوريين إلى اي درجة ملحة للانفتاح على بعضهم البعض وخلق جو حواري، وبالتالي ترجمة هذا الأمر دستورياً؟

لا شك إننا الآن أمام بناء دولة جديدة، فنظام الأسد البائد لم يبقي أي شيئ من مظاهر الدولة على الاطلاق، لذلك كل الامور تحتاج إلى توافق وطني بين كل مكونات الشعب السوري، وهذه التوافقات ضرورية للبدء في السير وعندما يتم التوافق لابد من الاتفاق على دستور يؤسس لمرحلة جديدة، وتحديد الشكل العام للدولة ومن خلال هذا الدستور يمكن أن يعيش المواطنين وحقوقهم محفوظة دون تأثير من مجريات الحياة، نحن الآن في أشد الحاجة إلى التوافق الوطني وإلى التلاحم فيما بيننا.

*بناء دولة سوريا الجديدة، من أي زاوية يجب أن يبدأ السوريين في مسألة التوافق الداخلي ومن ثم كتابة الدستور؟

لابد من معرفة الشخصية الحقيقية لسوريا، ومن هم المواطنين السوريين، هل هم حسب الدساتير الماضية التي أتت إلى الآن بأن الهوية السورية هي عربية فقط وإن اللغة هي العربية فقط؟، نحن الآن أمام مسألة أساسية وهي ما هي الشخصية السورية هل هي عربية فقط أم لجميع من يقطنها من عرب وكرد وسريان وآشوريين وغيرهم، فيجب الاعتراف بكل الشخصيات في الدستور، فأن مسألة كتابة الدستور في ثلاث سنوات كما صرح الجولاني هو شيء غير معقول، فالدساتير السورية القديمة جيدة نوعا ما، ولكن لم يتم تطبيقها على الارض فأنا برأيي اعتماد الدستور القديم مع إجراء التعديلات عليه ومن ثم الاعتماد عليه، وهذا ما يختصر الكثير من الوقت.

 *كيف يمكن لنا وضع آلية على اقل تقدير تضمن حالة التوازن بين مكونات الشعب السوري؟

الكرد والسريان وغيرهم هم جزء لا يتجزأ من تراث وتاريخ سوريا وإن اقصائهم بأي طريقة يعتبر مرفوض بتاتاً، وان تسميتهم أقليات فيها نوع من الاحتقار ولا يجب استخدامها بل ويجب معاقبة كل من يستخدمها على الاطلاق، فعندما نسمي الكردي بأنه كردي والعلوي بأنه علوي والمسيحي بأنه مسيحي لا يجب القصد بفصلهم وإنما تعبير ثقافي بأنه شعب عنده ثقافة معينة او دين معين أو لغة معينة، فنحن جميعاً سوريين ويجب أن نحب سوريتنا وأن تكون لدينها حقوق واحدة فقط لأننا سوريين بغض النظر عن انتماءاتنا القومية أو الطائفية أو غيرها، فيجب أن يضع ما ذكرته في الدستور لضمان حقوق وواجبات الجميع.

*ختاماً… في ذات الموضوع كلمة أخيرة لك تحب أن تضيفها، المجال مفتوح امامك؟

يجب تشكيل هيئة انتقالية توافقية تضم مختلف الأطراف السورية مهمتها الاتفاق على لجنة دستورية تعمل على وضع دستور جديد، كما أن تدخل أطراف دولية مثل الأمم المتحدة قد يؤثر على المدة ويجعلها أقصر في حال توافق وطني حقيقي، فنظام الأسد البائد خلّف دولة منهكة خلال عشرات السنوات التي عمل فيها على تدمير جميع البنى التحتية، مما يعني أن المرحلة الحالية تتطلب جهداً كبيراً للعمل على أساسات الدولة، وهو ما يحتاج إلى وقت قد يكون طويلاً.