لكل السوريين

ما هي أبرز الفرق التي ساهمت في نهوض المسرح الحلبي وكيف كانت ولادته؟

حلب/ خالد الحسين

يعتبر المسرح أحد أشهر الفنون في مدينة حلب العريقة فقد نقل تراثها وإرثها الحضاري للعالم أجمع أما عن الصرخة الأولى لولادة المسرح الحلبي كانت على يد الفنان يوسف نعمة الله (1842 ـ 1903) بمسرحية “بريجيت”، التي عرضت في المدرسة المارونية عام 1872، وحضرها أعيان المدينة ووجهاؤها وأدباءها، يتصدرهم والي حلب، وكبار الموظفين، الذين أبدوا إعجابهم بمؤلف المسرحية، وأثنوا على براعته، كما تبارى عدد من الشعراء في تقريظه، منهم: مصطفى أنطاكي، ونعمة الله صقال، وجرجس دلال، وغيرهم. وقد استدعاه الوالي وأسند إليه “ترجمان ولاية حلب”.

ظهر في تلك الفترة أدباء كتبوا وترجموا روايات عدة للمسرح، منهم: توما أيوب، الذي كان مراسلًا لصحيفة “البشير”، التي تصدر في لبنان، وكان بيته مثل سوق عكاظ، يقصده الأدباء ليعرضوا قصائدهم، وكانت مكتبته العامرة بالكتب النفيسة مشرعة لكل مطالع. أتقن لغات أجنبية عدة، وله ديوان شعر، وكتب عديدة تأليفًا وترجمة، وله، ايضًا، نحو ستين رواية تمثيلية بين تأليف وترجمة، جرى تمثيل أغلبها في المدارس، أو الجمعيات الخيرية.

قدم الأديب أوغسطين عازار عام 1887 مسرحية “أفيجيني”، التي مثلها تلاميذ الموارنة، واستغرق التمثيل فيها خمس ساعات. ثم جاء الأديب “أنطوان رباط ” ليقدم في 1910 مسرحية “الرشيد والبرامكة”، وتتناول التاريخ العربي، ونكبة البرامكة.

في عام 1919، تأسست المدرسة العربية الإسلامية، واجتمعت الهيئة التدريسية وقررت تقديم مسرحيات عدة، منها مسرحية “صلاح الدين الأيوبي”، وتم إخراج المسرحية بواسطة الأستاذ بشير العباسي، ولاقت نجاحًا منقطع النظير. وفي العام ذاته، تقرر إخراج مسرحية “النعمان بن المنذر”، على أن يقوم بتمثيلها وإخراجها الأستاذ بشير العباسي، وفعلًا تم تمثيلها وإخراجها، وحققت ربحًا جيدًا صُرف لتسديد نفقات المدرسة.

أُسست مدرسة “شمس المعارف” في عام 1920، وقدمت فرقتها عددًا من المسرحيات التاريخية والوطنية، منها مسرحية “الفضيلة والرذيلة”، من إخراج عبد الغفور المسوتي، ومسرحية “أبو عبد الله الصغير”، وهي من إخراج خير الدين الأسدي. ومسرحية “عمر بن الخطاب”، ثم مسرحية “استقلال أميركا”، التي فقد الأسدي يده أثناء العمل عليها. وقدمت مدرسة “شمس الترقي” عددًا من المسرحيات العربية والتاريخية، نذكر منها: طارق بن زياد، وعبد الرحمن الناصر، وخالد بن الوليد، وذي قار،… إلخ. وعرضت بعض مسرحياتها على مسرح اللونبارك، ورافق عرض مسرحية “محمد علي باشا” فيلم سينمائي قصير يمثل الأسطول المصري يمخر عباب البحر، وتم تصوير الأسطول والمعركة في حوض حديقة السبيل، بالخدع السينمائية.

تأسست فرقة الصنائع النسائية عام 1920، وساهمت في إحياء التراث الحلبي من موشحات ورقص السماح، إلى جانب المسرحيات الوطنية والتاريخية، ومن هذه المسرحيات: عبدالرحمن الناصر، وفتح الأندلس، وغيرها. وكان يشرف عليها شرف الدين الفاروقي، وبشير العبسي.

وفي عام 1921، تجمعت فئة من الشبان المثقفين الأرمن القادمين من كيليكيا، واتفقوا على إنشاء فرقة مسرحية عرفت باسم “إنترانيك”، وقدمت مسرحيات عديدة، منها: أرواح شيطانية، ونهاية المتلاعب، وشجرة الدلب، وغيرها. وبعد ازدياد عدد الأعضاء، اتخذوا لهم مقرًا جديدًا عرف باسم “جمعية الجيل الثقافية”. وقدمت مسرحيات عدة، منها: مجنون ليلى، وهاملت، أن يصل متأخرًا خير من ألا يصل، وغيرها، وقام بإخراج هذه الأعمال: أواديس أكمكجيان، وفارتان باريكيان. وفي عام 1977، تسلم رئاسة الفرقة المخرج هاروتيون جنوزيان، وقدمت المسرحيات على مسرح دار التربية، ولا تزال أعمالها تجري حتى الآن.

أما نادي الشبيبة الكاثوليكية، الذي تأسس عام 1922، فأقيمت على مسرحه عشرات المسرحيات والأعمال الفنية. كما استضاف فرقًا فنية عربية وأجنبية بغية الاطلاع على نشاطات الفرق والاكتساب من خبراتها. وقدم النادي الأعمال التالية: طبيب رغمًا عنه، والبورجوازي النبيل، والبخيل، والسيد، وغيرها.

وتأسس نادي التمثيل الوطني عام 1925، وقدم عددًا من المسرحيات التاريخية والوطنية، وكانت باكورة أعماله مسرحية “في سبيل التاج”، وهي من إخراج بشير العباس. ثم قدمت الفرقة مسرحية “خالد بن الوليد”، التي أخرجها المخرج ذاته. كذلك تأسس نادي الشبيبة السورية الثقافي عام 1926، وبدأ النشاط الثقافي بإقامة الندوات والأمسيات. ومع ازدياد عدد الأعضاء، تقرر تشكيل فرقة مسرحية تضم المواهب الفنية، وتشكلت فرقة “زاواريان”، فقدمت ما يزيد على ستين مسرحية، ولا تزال هذه الفرقة تتابع عملها إلى الآن. وتأسس نادي الشبيبة المثقفة عام 1926، فقدم عددًا من المسرحيات، منها الأراضي الجرداء، المنفي، المقامر، محكمة الدنيا، الملعون،… إلخ. وقدمت العروض ضمن باحات الكنائس، ومسرح سينما سورية، وسينما دنيا. وإلى جانب النشاط المسرحي، قدم النادي عددًا من الندوات الثقافية والمعارض التشكيلية، وما زال يتابع نشاطاته حتى الآن.

“تأسست فرقة الصنائع النسائية عام 1920، وساهمت في إحياء التراث الحلبي من موشحات ورقص السماح، إلى جانب المسرحيات الوطنية والتاريخية”

وتأسست فرقة أنصار التمثيل عام 1928، وقدمت العديد من الأعمال التي تندد بالاستعمار الفرنسي، ومنها: ضحايا الاستعمار، الحرب العالمية الكبرى، فظائع الاستبداد، وحدث أن خرج بعض الممثلين عن النص، ونطقوا بجمل تندد بالاستعمار، فألقي القبض عليهم، وعلى مدير الفرقة، ثم خرجوا بعد أيام، وسافروا إلى طرابلس ليقدموا عروضهم من جديد تحت اسم مستعار.

وكذلك تأسست فرقة نادي الصنائع النفيسة عام 1928، التي قدمت عددًا من الأعمال التاريخية التي نالت الإعجاب، مثل: خالد بن الوليد وأمير حمص، طارق بن زياد، محمد علي باشا، وغيرها، وأخرجها بشير العباسي، وقد عرضت المسرحية على مسرح اللونبارك عام 1933، وامتلأت الصالة بالمشاهدين، وكان أكثرهم وقوفًا، وقد أشادت الصحف في اليوم التالي بالعرض.

كما تأسست فرقة مسرح أتاميان عام 1933، وقدمت عدة مسرحيات عدة، منها: هملت، يوليوس قيصر، مجنون ليلى، وغيرها، وعرضت المسرحيات على مسرح سينما الشرق، ودار الكتب الوطنية. وأخيرًا، تم عرض مسرحية “نحن لا نعرف اللغة الأرمنية”، وهي من تأليف ألكسندر صاروخان، وإخراج فاهيه صاموئيليان. وإلى جانب النشاط المسرحي، كانت الفرقة تحيي أمسيات أدبية، وتقيم ندوات فكرية وفنية.

وتأسست فرقة الأرض المقدسة عام 1935، وكان يشرف على أعمالها كل من: كامل بجك، ومنير حلاق، وقدمت الأعمال التالية: شهر العسل، فيلفو الساحر، خطوبة موفقة، مصرع الباغي، على مسرح الجمعية الخيرية الأرمنية.

وتأسست الفرقة القومية للتمثيل عام 1937، على يد الأستاذ فاتح غضنفر، وضمت عددًا كبيرًا من الممثلين، وتميزت في مجال المسرح الكلاسيكي، بالاعتماد على نصوص الكتاب المشهورين، وكانت تضم في هيئتها فئة من المثقفين، وصفوة الممثلين. والجدير بالذكر أن المطربة “سحر” كانت العنصر النسائي الوحيد الذي ساهم في أعمال الفرقة.

وتأسست الفرقة السورية للتمثيل عام 1938، وكان مؤسسها محمود الجزائري، الذي جاء من الجزائر مع الجيش الفرنسي، واستوطن حلب. قدمت الفرقة كثيرًا من الأعمال، من أهمها: ضحايا المجتمع، نحن والحرب، عمر المختار، فلسطين، وكان يكتب أعمال الفرقة ويخرجها: محمود يحياوي، ويعتمد على الحركات العريضة والانفعال والمبالغة في الصراخ، وذات مرة انفعل بدوره لدرجة أنه هجم صارخًا على البطلة فسقطت مغشيًا عليها.

في عام 1940، تأسس نادي المجد، وبلغ عدد المنتسبين إليه ما يقارب ثلاثمئة عضو، وهو من أشهر النوادي في فترة الأربعينيات، وأكثرها نشاطًا. قدم النادي عروضًا مسرحية، ومنوعات غنائية ومونولاجات شعبية ووطنية وحفلات موسيقية، إضافة إلى النشاط الثقافي الذي يشمل المحاضرات الأدبية والفنية وحفلات السمر. كما قدم النادي عددًا من الأعمال المسرحية التي لاقت القبول عند جمهور المشاهدين. واستضاف عددًا من الفرق المصرية لتقدم عروضها في حلب، منها: فرقة زكي رستم، وفرقة زكي طليمات، وفرقة عباس فارس، وفرقة فؤاد المهندس، وفرقة يوسف وهبي.

وتأسس نادي النهضة عام 1942 من مجموعة من هواة التمثيل وعشاق المسرح، وكانوا يجتمعون في غرفة ضمن كنيسة مار جرجس. قدم النادي أعمالًا كثيرة، منها: طبيب رغمًا عنه، البخيل، شهامة العرب، فارس الأحلام، وغيرها. وكانت هذه العروض تتم على مسرح كنيسة اللاتين، والجمعية الخيرية الأرمنية. وكان النادي يحيي الحفلات والأمسيات الثقافية والفنية.

وتأسست فرقة الكلية الإسلامية عام 1944، وقدمت عددًا من الأعمال المسرحية، منها: ثورة الكواكب، فلسطين بين الحديد والنار، والحطاب، وهي مسرحية غنائية.

“في عام 1940 تأسس نادي المجد، وبلغ عدد المنتسبين إليه ما يقارب ثلاثمئة عضو، وهو من أشهر النوادي في فترة الأربعينيات، وأكثرها نشاطًا”

وتأسست في أربعينيات القرن الماضي فرق عدة، منها: فرقة شباب الكشاف الكاثوليكي، وقدمت اعمالًا نذكر بعضها: سر الغداء، الدجاجة، الحفيد المحتال، مرغريت، وسرقة في الدار، وهي مسرحية صامتة، وغيرها، ولقيت النجاح الباهر. كذلك نهضت فرقة الشرق للفنون التي يرأسها: أحمد كيالي، الذي كان يكتب ويمثل ويخرج للفرقة. ومن الأعمال الجيدة للفرقة: ابنتي في البار، خلقت لأتألم، وفظائع المرأة. وكانت الأعمال تعرض على مسرح النادي الكاثوليكي، ودار الكتب الوطنية.

أما كان نادي الشعلة، الذي يرأسه عزة آغا، فتميز نشاطه في تنوع أعماله الثقافية والفنية، إضافة إلى الغناء، والموسيقا، ورقص السماح. وقدم النادي المسرحيات التالية: القناعة كنز، الإسكافي، الحجاج، وغيرها. وجميعها من إخراج سلمان قطاية.

وتم تأسيس فرقة أنصار التمثيل والسينما، التي كان يرأسها حسين سلانيك، وقدمت الفرقة أعمالًا نذكر منها: ربيب الشارع، الإعدام، قسوة الشر، قيس وليلى، وغيرها.

وتأسست فرقة فجر التمثيل، وكان مؤسسها جميل ولاية، وقدمت، المتصابيان، وربيب الشارع، والقاضي القصاب، وكانت تعرض أعمالها على مسرح دار الكتب الوطنية، ثم قدمت مسرحية الشريد على مسرح سينما فريال. تلا ذلك برنامج تراثي حول الموسيقا ورقص السماح أشرف عليه جميل ولاية. وقدمت الفرقة مسرحية ومنوعات على مسرح سينما سورية، شارك فيها: رفيق السبيعي، وشاكر بريخان، وسحر.

انتهت فترة الجيوش الأجنبية على أرض سورية، وانسحب الجيش الفرنسي، وبدأت مرحلة جديدة من النضال المسرحي.