لكل السوريين

وفرة الخضار تحوّل موسم الزراعة الصيفي في حمص إلى كابوس للمزارعين

حمص/ بسام الحمد

تحول موسم الخضار الصيفي في حمص هذا العام إلى كابوس حقيقي للمزارعين، حيث غمرت الأسواق بوفرة كبيرة من الإنتاج، لكن أسعار المحاصيل انهارت إلى مستويات غير مسبوقة، ما ترك المزارعين عاجزين عن تغطية تكاليف الإنتاج، في حين استفاد التجار ووسطاء السوق بشكل كبير.

في قرى ريف حمص الشمالي، يعاني المزارعون من خيبة أمل كبيرة أمام محاصيلهم الوفيرة التي لا تجد من يشتريها إلا بأسعار زهيدة للغاية. يقول أبو محمد، مزارع من قرية الحولة: “كنا نبيع كيلو البندورة بـ5000 ليرة في بداية الموسم، واليوم بالكاد يصل سعرها إلى 1000 ليرة، بينما تكلفة إنتاجه تتجاوز 2000 ليرة”. وهذه المعادلة المجحفة تكررت مع معظم المحاصيل الصيفية، حيث لم يتجاوز سعر الكيلوغرام من الخيار والكوسا 1500 ليرة، رغم أن تكلفة إنتاجهما أعلى بكثير.

وترجع الأزمة إلى عدة عوامل مجتمعة، إذ جاء القرار الحكومي بوقف استيراد بعض أصناف الخضار بهدف دعم المنتج المحلي متأخراً جداً، بعد أن فاضت الأسواق بالإنتاج. كما أن غياب قنوات تصدير منظمة وضعف القدرة على تصريف الفائض خارج السوق المحلية، ساهم في انهيار الأسعار. يوضح خالد، مزارع من قرية تلدو: “لو فتحنا منافذ تصدير إلى دول الجوار، لكنا استطعنا بيع المحصول بأسعار مجزية، لكن كل ما نفعله هو بيعه في الأسواق المحلية بأسعار لا تغطي حتى كلفة العمالة”.

في أسواق حمص، تتجلى المفارقة بوضوح، فبينما يخسر المزارعون، يزداد نشاط الوسطاء والتجار الذين يشترون المحاصيل بأسعار زهيدة ويعيدون بيعها في المدن بأسعار مرتفعة. تقول أم علي، بائعة في سوق الخضار المركزي: “الناس يفرحون بانخفاض الأسعار، لكنهم لا يعرفون أن المزارع هو من يدفع الثمن. التاجر يشتري الخيار من المزارع بألف ليرة ويبيعه بـ2500 ليرة، دون أن يتحمل مشقة الزراعة أو مخاطرها”.

ولم تقتصر تداعيات الأزمة على الخسائر المالية فقط، بل دفعت بعض المزارعين في قرى مثل الحواش وتلبيسة إلى الهجرة عن مهنة الزراعة، وتحويل أراضيهم إلى زراعة محاصيل أقل استهلاكاً للمياه كالقمح والزيتون، رغم أن عوائدها المالية أقل. يقول أبو أحمد، الذي ترك زراعة البندورة هذا الموسم: “لم يعد هناك جدوى، كل موسم نخسر أكثر من السابق، والأرض لم تعد تكفينا كما كانت”.

وفي ظل هذه الأزمة، ظهرت بعض المبادرات الفردية التي تحاول تقليل الخسائر، حيث شكلت مجموعة من المزارعين في قرية الرستن تعاونية لبيع منتجاتهم مباشرة للمستهلك، متجاوزين بذلك وساطة التجار. كما حاول آخرون تحويل الفائض إلى معجون طماطم أو مخللات، لكن هذه الحلول لا تزال محدودة التأثير في ظل غياب الدعم الحكومي والمؤسساتي الحقيقي.

ويحذر مختصون من استمرار هذا الخلل في معادلة العرض والطلب، مطالبين بوضع خطط زراعية متكاملة تحدد المساحات المزروعة بناءً على احتياجات السوق والإمكانيات المائية، لتفادي المزيد من الخسائر وتأمين استقرار القطاع الزراعي في المحافظة.