لكل السوريين

تجاوزٌ للدور واتهامات بالانحياز… تصريحات المبعوث الأميركي تثير انتقادات لاذعة

أثارت التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، عاصفة من الانتقادات في الأوساط السياسية والإعلامية والمدنية بشمال وشرق سوريا، حيث اعتبرها ناشطون ومراقبون “تجاوزاً خطيراً للصلاحيات”، وانحيازاً لطرف إقليمي على حساب التفاهمات السورية الداخلية، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى فرص تحقيق توافق وطني يُنهي سنوات الحرب والتشرذم.

وكان باراك، الذي يشغل منصب السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، قد صرّح بأن الحكومة السورية أبدت “حماساً لا يُصدّق” لضم قوات سوريا الديمقراطية إلى مؤسسات الدولة السورية، في إطار ما وصفه بـ”دولة واحدة، أمة واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة”. كما وصف أداء “قسد” بـ”البطء في الاستجابة والتفاوض”، مشيراً إلى أن “هناك طريقاً واحداً فقط، وهو الذي يؤدي إلى دمشق”.

وفي سياق حديثه عن الموقف الأميركي من القضية الكردية، قال باراك إن تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بشأن الحكم الذاتي لم تكن تعني “كردستان مستقلة”، بل أكد أن الكرد “شعب رائع ومذهل وجميل داخل دولهم”.

هذه التصريحات لقيت رفضاً واسعاً، ووصفت بأنها لا تخدم السلام والاستقرار في سوريا، ولا تعكس تعقيد القضية السورية، فقد أدان المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا هذه التصريحات بشدة، ووصفها بـ”الإجحاف بحق شريك رئيسي في مكافحة الإرهاب”، و”تجاوز للصلاحيات”، مؤكداً أنها “لا تخدم السلامة العامة”، وتهدد الجهود الوطنية الساعية نحو تحقيق تفاهم سوري – سوري.

وأعرب الحزب في بيان رسمي عن “قلقه البالغ” حيال التصريحات، مشيراً إلى أنها لا تأخذ بعين الاعتبار الواقع السوري المعقد، وتُمثل خروجاً عن الدور الذي يُفترض أن يضطلع به مبعوث دولي يسعى لدعم جهود الحوار لا تقويضها.

وامتدت الانتقادات لم تقتصر على الأحزاب السياسية إلى الناشطين والمحللين والمراقبين، الذين رأوا في تصريحات باراك انحرافاً خطيراً عن مهمة الوساطة.

فقد قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن: “لا يمكن إعادة إنتاج تجربة بول بريمر في سوريا، وإذا كنتم حريصين فعلاً على استقرار البلاد ووحدتها، فإن دوركم ينبغي أن يكون دور الوسيط النزيه، لا طرفاً يُعرقل التوافقات بين السوريين”.

وأضاف: “لقد كانت الأمور تتجه نحو تفاهم حقيقي، إلى أن جاءت تصريحاتكم الأخيرة التي أربكت المشهد، وربما أعادتنا إلى المربع الأول”.

من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل الكردي شورش درويش أن ما قاله باراك “ليس جديداً”، بل هو تكرار لما قاله الكرد منذ عقود: أن حلّ القضية الكردية يمرّ عبر دمشق، لكنه رأى أن التصريحات، وإن بدت “بديهية”، تنمّ عن سطحية في مقاربة الملف السوري.

وقال درويش: “ليتخيل أحدهم رجلاً يبدو عليه الوقار والحكمة، يفتي في السياسة الأمريكية ويقول الانتخابات هي الخيار الوحيد للأمريكيين لاختيار رئيسهم!”.

أما المحلل السياسي الأميركي والمستشار السابق، الدكتور وليد فارس، فغرّد قائلاً: “الفيدرالية تعمل في أمريكا وكندا وسويسرا وبلجيكا، والعراق والإمارات… وستعمل في سوريا ولبنان أيضاً”.

ويجمع المراقبون أن تصريحات المبعوث الأميركي الأخيرة تشكّل خروجاً عن الحياد الواجب في الملفات السياسية المعقّدة، وتسهم في خلق حالة من التوتر السياسي، بدل أن تساهم في تسهيل حوار وطني شامل.

- Advertisement -

- Advertisement -