حاوره/ مجد محمد
أكد جهاد سيدو أن قوات سوريا الديمقراطية ستبقى شريكاً أساسياً للتحالف الدولي وستواصل محاربة الإرهاب، وأن استمرار وجودها لن يكون مرهوناً ببقاء القوات الأمريكية في المنطقة، لأن وجود قسد مرتبط بوجود الشعب السوري الذي حمته ودافعت عنه طوال سنوات.
منذ عام 2011، في خضم الصراعات والمواجهات بين القوى الدولية والإقليمية، أصبحت سوريا ساحة لتصفية الحسابات والهيمنة. برزت مئات الجماعات المسلحة التي تحركت وفق أجندات تلك القوى، وفي شمال وشرق سوريا تأسست وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية بهدف حماية الأهالي.
وبعد تمدد الجماعات الجهادية وانتشارها في المنطقة وارتكابها مجازر، تصدت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية لتلك الجماعات، ولعبت دوراً رئيسياً في تحرير شمال وشرق سوريا من الإرهاب. ومع مرور السنوات تمكنت هذه القوات من تأسيس إدارة ذاتية بمشاركة جميع مكونات المنطقة، وأصبحت لاعباً أساسياً في المعادلة السورية. وقد تعرضت الإدارة الذاتية لهجمات مستمرة، لا سيما من قبل تركيا التي احتلت عفرين وتل أبيض ورأس العين ضمن عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، وذلك بهدف فصل المناطق والقضاء على الإدارة الذاتية الديمقراطية، حيث شنت هجمات متعددة ضد مناطق الإدارة الذاتية عبر تفاهمات مع روسيا وأمريكا والنظام السوري وإيران.
وللحديث عن المعادلات الجديدة في سوريا، محلياً وإقليمياً ودولياً، أجرت صحيفتنا “السوري” حواراً مطولاً مع الأستاذ جهاد سيدو، العضو في حركة التجدد الديمقراطي، ودار الحوار التالي:
لسوريا كانت هناك معادلات دولية وإقليمية معينة، هل اختلف الوضع بعد سقوط النظام؟
بالتأكيد، الثامن من كانون الأول 2024 كان زلزالاً في مسار الحرب السورية بالنسبة لجميع أبناء الشعب السوري، وكذلك للقوى الدولية والإقليمية والمحلية، حيث تداخلت حسابات جميع الأطراف واختلطت أوراقها، فهُزمت قوى وانتصر أخرى، وتراجعت جهات وتقدمت جهات أخرى، فالسوريا التي ستحكم بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 ستختلف تماماً عن سوريا ما قبل هذا التاريخ، حيث تغيرت معادلات كثيرة في المنطقة وبرزت معادلات جديدة على الأرض.
كيف تم خلط الأوراق السياسية والعسكرية بسقوط نظام الأسد؟
قبل سقوط الأسد في 8 كانون الأول 2024، كانت القوى الفاعلة على الصعيدين الدولي والإقليمي هي: سوريا (جيش الأسد) وتركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة (التحالف الدولي)، إضافة إلى قوى محلية مثل قوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني وهيئة تحرير الشام، وبدرجة أقل تنظيم داعش. تركيا كانت تطالب بلقاء مع الأسد، بمعنى أنها كانت ترى أن مصلحتها تكمن في تفاهم معه. إلا أن التطورات التي أدت إلى سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق، فضلاً عن المواقف الإيجابية وغير العدائية من دول أوروبية وأمريكا، وعدم انزعاج إيران وروسيا من هذه التطورات، منحت تركيا الجرأة لاعتبار انهيار النظام هبة لها. لقد هُزمت روسيا وإيران ومحورها، وكان أملها في انسحاب أمريكا من سوريا في عهد ترامب كبيراً جداً. من بين القوات التي دخلت دمشق كانت هيئة تحرير الشام والجيش الوطني المرتبط بها مباشرة، لذا رأت تركيا أنها أمام فرصة لإخضاع سوريا لنفوذها، فبدأت الحديث عن اتفاقات أمنية واقتصادية وعسكرية مع دمشق، وعن ارتباط النظام وقسد بمستقبل البلاد، وشاركتها قطر في هذه التحركات.
رئيس الحكومة الانتقالية أحمد الشرع، هل سيتمكن من تحقيق رؤيا قطر وتركيا في سوريا، على مبدأ تلبية رغباتهم كونهم دول بارزة في مساعدته؟
بالتأكيد، أحمد الشرع، رئيس الحكومة الانتقالية، يعلم أن توليه المنصب جاء عبر اتفاق دولي وإقليمي، وأنه رغم قربه من تركيا وقطر، فإنه لا يمتلك الإرادة التي تسمح له بتنفيذ مطلق لمطالب الدولتين دون مراعاة إسرائيل وأوروبا وأمريكا والسعودية والإمارات. هو لا يريد الدخول في صراعات مع هذه الأطراف، ولا يود خسران دعم دول الخليج، ولذلك يتحرك بحذر. الحالة ليست بسيطة، بل معقدة للغاية، لأن السياسات متداخلة ومتضاربة، وسوريا دخلت مرحلة انتقالية تتشكل فيها وفق المعادلات الدولية والإقليمية والمحلية.
برأيك، ما هي المعادلات الجديدة إقليمياً ودولياً للمنطقة؟
سقوط الأسد قلب الأوراق في ملفات إيران وروسيا. روسيا، بحسب محللين، زُجت في مساومات على قواعدها في سوريا وأوكرانيا؛ فهي ليست دولة صغيرة، لكننا لا نستطيع تجاهل مصالحها. أما إيران، فقد هُزمت فعليا، لا سيما بعد اقتحام إسرائيل للمعادلة السورية وهزيمة حزب الله وحماس، ما أفشل مشروع “الهلال الشيعي”. في المقابل، برزت دور أمريكا وإسرائيل وتركيا كلاعبين أساسيين، فيما زادت فرنسا وألمانيا من تدخلها السياسي والدبلوماسي، حيث أصبحت مسألة شمال وشرق سوريا والقضية الكردية معيارا لقبول حكومة الشرع، خاصة من وجهة نظر فرنسا التي أكدت دعم الإدارة الذاتية.
في إطار حديثنا عن المعادلات الدولية، هل ستنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة؟
لن تنسحب أمريكا كما تتوقع تركيا. بل هي في تنسيق دائم مع قسد، وتضع شروطاً واضحة لأي حكومة سورية جديدة، منها تأمين إسرائيل ومحاربة داعش. إسرائيل تدعم الدولة اللامركزية والإدارة الذاتية لكبح النفوذ التركي. الخليج يريد سوريا مركزية لكن بلا سيطرة تركية. لذا المعادلة لا تزال معقدة ومتوازنة بين هذه الأطراف.
وماذا عن المعادلات الجديدة محلياً؟
محلياً، تغيرت المعادلة بالكامل بعد سقوط الأسد. حاول الجيش الوطني، التابع لتركيا، السيطرة على سد تشرين وشرق الفرات، لكن محاولته فشلت. حكومة الشرع المؤقتة أظهرت ضعفها أمام القرار التركي، رغم أنها كانت تسعى لإنهاء الإدارة الذاتية. لكن صمود قسد ودعم أمريكا وفرنسا أسهما في توقيع اتفاق عبدي–الشرع، ما أدى فعلياً إلى وجود حكومتين: واحدة في دمشق وأخرى في القامشلي. وتم إدراج الجيش الوطني في الجيش السوري الجديد، لكن العلويين والدروز تعرضوا لضغوط ومجازر، ما جعل الأطراف المحلية الرئيسية اليوم هي قسد والحكومة الانتقالية والدروز.
وما هو وضع مناطق شمال وشرق سوريا؟
على عكس ما روجت تركيا، أن سقوط النظام يعني زوال الإدارة الذاتية، فإن الواقع كان عكس ذلك. بعد ضعف النفوذ الروسي والإيراني، ظهرت الإدارة الذاتية كلاعب لا غنى عنه في مستقبل سوريا. بات وجودها أو غيابها معيارا لرسم خارطة المستقبل في سوريا والشرق الأوسط.
ما هو الدور الأوروبي بالنسبة لسوريا، ووضع شمال شرق سوريا بالتحديد؟
ألمانيا وفرنسا أعلنا دعمهما حاليا لبناء سوريا ديمقراطية تشمل مشاركة قسد والإدارة الذاتية. فرنسا دعمت الإدارة بوضوح. المسؤولون الأمريكيون أكدوا بدورهم على ضرورة بقاء قوات التحالف، واعتبروا قسد حليفاً استراتيجياً. وألزمت هذه الأطراف الشرع بضمان حقوق المكونات والأقليات، ليوقّع اتفاق 10 آذار 2025. تباطأت بعدها تركيا، بينما تدخل إسرائيل للحد من نفوذها في سوريا.
بين المركزية واللامركزية، ما هي المعادلات الحالية؟
تركيا وقطر والسعودية يدفعون باتجاه سوريا مركزية، تركية بشكل خاص لتجنب وجود كيان إداري في شمال وشرق سوريا. في المقابل، تدفع أمريكا وأوروبا والكرد والعلويين والدروز باتجاه لامركزية وتعددية. يُعد اتفاق 10 آذار أول خطوة نحو تحديد نظام الحكم الجديد، لكن تركيا لا تزال تضع عراقيل أمام التنفيذ.
ختاماً، من هو المتحكم الكبير في المشهد السوري اليوم؟
الولايات المتحدة وإسرائيل، بمساندة بريطانيا، يحرّكان المشهد السوري كأحجار شطرنج. وحتى الآن يبدو أن أحمد الشرع والإدارة الذاتية يكسبان شرعيتهما رغم اختلافهما الكامل. كل ذلك يشير إلى نموذج مؤقت للتعايش الموجه الذي تحاول القوى المسيطرة فرضه لضمان حالة من الأمن أو “اللاأمن” المدروس، بانتظار وضوح مستقبل إيران النووي.
تبدو سوريا اليوم في طور إعادة تشكيل شامل، محكومة بصراع نفوذ معقد بين محاور محلية وإقليمية ودولية، والتوجه النهائي نحو ملامح الدولة السورية الجديدة لا يزال قيد التشكيل والتفاوض.