تمر سوريا بمرحلة شديدة التعقيد، لا تقتصر على إعادة إعمار ما دمرته الحرب أو إعادة تشغيل مؤسسات الدولة فقط، بل تمتد إلى أعماق المجتمع السوري، حيث تبرز الحاجة الماسة لإعادة تعريف الهوية الوطنية على أسس جديدة.
فالسوريون الذين عانوا لعقود طويلة من استغلال الانتماءات الطائفية والإثنية والعشائرية لأغراض سياسية، بحاجة اليوم إلى صياغة انتماء جامع يتجاوز هذه الهويات.
فلم يعد مقبولاً النظر إلى المواطنين كمجرد “مكونات”، بل كأفراد أحرار متساوين في الحقوق والواجبات، ويشكلون شعباً موحداً.
إن بناء دولة المواطنة لا يمكن أن يتم بالاكتفاء بالشعارات عن وحدة الوطن وسيادته، بل يتطلب جهداً حقيقياً لترسيخ قيم المواطنة والانتماء الوطني المشترك، بما يشمل احترام التعددية بصفتها مصدر إثراء للمجتمع السوري، واحترام حق الاختلاف بوجهات النظر السياسية والفكرية، ونبذ الإقصاء والتمييز على أي أساس.
فالتنوع في سوريا يمكن أن يكون مصدر قوة لا مصدر ضعف وتفرقة، إذا ما أُدير في إطار وطني جامع.
ولن تكون استعادة الاستقرار ممكنة دون وضع عقد اجتماعي جديد، يعيد بناء الثقة بين المواطن والدولة، ويضع حداً لخطاب الغلبة والهيمنة، ويؤسس لدولة تقوم على أسس الشراكة والمساواة والكرامة والعدالة.
وعليه، فإن السلطة الحاكمة مطالبة بتوسيع قاعدة الحكم والانفتاح على جميع الأطياف السياسية والاجتماعية، وإشراك كافة مكونات المجتمع السوري في صياغة مستقبل البلاد، بعيداً عن الانغلاق والهيمنة الفكرية أو السياسية.
إن الخروج من الأزمة المستعصية الراهنة يتطلب دولة لكل مواطنيها، لا دولة لفئة دون أخرى.
هيئة التحرير