لكل السوريين

قهوة الثقافة وقهوة الصباح

محمد عزو

ثقافة القهوة أو قهوة الثقافة، واحتساءك لفنجان منها، وأنت جالس على شرفة الحياة ونسيم الصبح، يداعب الروح والنفس ويدغدغ مشاعرك، تجعل دائرة الماء الكبرى تشكل أمواجاً تتلاطم على شواطئ الماء الراكدة في بركة ماء واسعة المساحة.

واحتساء فنجان من قهوة الثقافة تشكل أجواء اجتماعية، باعتبار أنها أي القهوة من المشروبات الاجتماعية، وشرب فنجان منها صباحاً في مدينة مثل مدينتي “الرقة”، يعتبر عامل منشط على نطاق واسع من جانب الثقافة، وخاصة في مثل هذا الوضع الذي تعيشه مدينتي، وهي تذرف الدمع على أحلامها الجميلة.

السير عبر شوارع “الرقة” يلبسك ثوب الحزن والأسى على نحو متزايد، بعد أن كان شرب القهوة فيها، وبشتى أنواعها نموذجاً متزايد في ثقافة القهوة.

فرغم كثرة المقاهي التي افتتحت في “الرقة” اليوم، إلا أنها لم تقترب بعد من زهوة ثقافة الماضي، حيث كان أن تشكلت ثقافة كنا وإياها صحبة، هي ثقافة القهوة، هذه الثقافة تشكلت حول القهوة والمقاهي.

ولا شك أنه من غير الطبيعي عدم التذوق للقهوة على نحو ما، فهي ذات سر هذا السر مدرج على قوائم التراث العالمي، مثالاً على ذلك المثل القائل: (أن تقدم لي فنجان قهوة، فهذا معروف أحفظه لك أربعين عاماً)، ونستشف من هذا المثل أن القهوة تتربع على عرش المشروبات المفضلة، مما جعلها مدرجة على قوائم التراث الثقافي العالمي، كونها تحمل ثقافة كاملة، وتمتلك طقوساً ذات دلالات هذه الدلات تتمثل في طريقة شربها من مجتمع لآخر، وكذلك في طريقة تقديمها وتناولها كما أشرنا.

ذات مرة قُدمت لي القهوة مع كأس من شراب “الكوكا كولا”، فاستغربت الأمر سألت “النادل” لماذا “الكوكا”؟، فقال لي: كأس “الكوكا كولا” يرويك من العطش إذا كنت ظمآناً فحسب، قلت له: في رقتي تقدم القهوة مع كأس من الماء، فقال: لكل شعب طريقة طقسية خاصة به في تقديم القهوة.

طبعاً هذا الأمر هو جزء من ثقافة القهوة، ففي بلدنا سورية نتذوق شرب كأس الماء قبل الرشفة الأولى للقهوة من جميع الأصناف، ونستمتع بمذاقها الرائع.

ولا شك أن كثير من المقاهي تشكل مراكز اجتماعية وحتى فكرية، ونجد في العالم المتحضر وفي مدننا السورية أيضاً ان كثير من المقاهي، أصبحت أماكن شعبية تلتقي فيها النخبة المثقفة، من كتاب وفنانين ومفكرين، وشخصيات اجتماعية من ساسة ورجال المال والاقتصاد.

وثقافة القهوة ذات خصوصية محلية، ونمطها يختلف من بلد لآخر، وأصبح مصطلح ثقافة القهوة يتكرر في وسائل الأعلام الشعبية بشكل واسع.

وقد تناول بعض الكتاب ثقافة القهوة، بعروض عامة للقهوة بخلفيتها التاريخية ومفاهيمها ومعانيها وطريقة زرعها وقطفها وطريقة الاتجار بها، إلى المستهلكين الذين يحتسونها دون أن يعنيهم كيفية وصولها إلى أكوابهم.

الباحثون طرحوا أسئلة موجبة ذات استنتاجات علمية، حول كيفية ارتباط هذا المُنتج واستهلاكه ببعض أكثر المشاكل العالمية إلحاحاً، ودور الثقافة المحلية في إضفاء معان للقهوة.

ومع مرور الزمن أصبحت القهوة واسامة الطبقات الاجتماعية والاقتصادية، ويقول كثير من المفكرين أنه توجد علاقة تطورية مشتركة بين نشوء المجتمعات البشرية، وانتشار الكافئين في القهوة، بما لها من شعبية مستمدة من أبعادها الاجتماعية والثقافية، وليس من خواصها المتوسطة مما جعلها تشكل تغييراً اجتماعياً كبيرا في بلادنا، حيث كانت مادة الشاي هي المشروب السائد.

فالقهوة لا تعد مجرد مشروب ساخن، بل تحمل ثقافة كاملة وتمتلك طقوس شعبية تتمثل بطريقة تقديمها وطرق طهيها وتناولها.