لكل السوريين

ثقافة وطقوس الخطوبة والزواج والعرس في الرقة ووادي الفرات

كانت حالة الزواج عند أهل “الرقة” وسكان وادي الفرات (ريفاً ومدينة) إبان القرن التاسع عشر وحتى النصف الثاني من القرن العشرين، يحتل الحديث عنها المرتبة الأولى، وحتى بعد أن تصبح الزوجة أماً، فأول ما تريد معرفته من زوجها الذي كان مسافراً هو الأخبار المتعلقة بالزواج والطلاق وذلك حسب ثقافتها، لأنّ الزواج كان في تلك الفترة هاجس الجميع..

وحالة الزواج حتى أيامنا هذه هي ليست حالة ارتباط بين الرجل والمرأة فقط، بل تتعلق بالأقرباء أيضاً، لأنه في حالة إتمام الزواج، يتم أيضاً إنشاء سلسلة من الروابط بين أسرة الرجل وأسرة المرأة، ويصبح الحديث عن الأقرباء أكثر منه عن المصاهرة، وبشكل عام فإن طقوس الزواج في منطقة “الرقة و”الفرات”، تتقاطع مع الكثير من طقوس المحافظات الأخرى، وخاصة مع المحافظات الجزيرة.

ويلاحظ الباحثون أنّ أغلب حالات الطلاق التي تتم في مناطق الريف السوري، وفي المدن أيضاً سببها المشاكل العائلية أكثر منه المشاكل التي تحدث بين الزوج وزوجته.

كان الرجال وهم الآباء يفضلون تزويج أولادهم من ضمن دائرة الأقارب الضيقة، وخاصة بنت العم وبنت العمة وبنت الخالة، ويفضل إنْ كانتا تنتميان إلى ناحية الأب، وبالتالي إلى نفس عشيرة العريس بدلاً من فخذ آخر، علماً أنّ العلم يوصي بالتباعد في الزواج تجنباً للأمراض الوراثية، وأيضاً نجد أن الطائفة المسيحية تبتعد عن الزواج من الأقارب.

وفي مثل هذه الحالة لا ندري إنْ كان الأمر هنا يتعلق بنظرية علم الاجتماع التي تقول، بأهمية هذا النوع من الزواج الذي يتم ضمن النطاق الضيق في المجتمعات التي تعتمد على صلات القرابة، والذي يعتبر نوع من التحالف بين المجموعات المشتتة.

كما أنّ الزواج من الأقارب في المجتمعات العربية وعند بعض المكونات الأخرى، يكون أحياناً ناتج عن موقف تحدي وكبرياء من بعض العائلات التي تعتبر نفسها فوق الجميع، لكن بشكل عام كانت ثقافة الزواج عند أهل “الرقة”، تتمثل بتفضيلهم الزواج من أشخاص يمتون إليهم بصلة القرابة المتينة، وفي الأغلب تكون مثل هذه الزيجات ناجحة وتمتن الصلة بين الأسر والأفخاذ وتنأى عن شبح الطلاق، وتظل العروس تشعر بالسعادة لكونها تزوجت ضمن الأسرة التي ترتبط بها برابط القرابة، وبهذه الحالة تشعر بأنها بقيت بالقرب من أهلها عند ارتحال الجماعة إلى المراعي الشتوية، وأثناء المخيمات الصيفية في (المكايظ).

كان الزواج في منطقة “الرقة” يتم وفق أمور عديدة أهمها:

زواج الحيار، ويتم هذا الزواج عن طريق المفاوضات بين الأخ وأخيه، وبين أبناء العمومة، ولكن عقد الزواج لا يتم من قبل أحد العريسين، بل يتم بين أبناء العم حيث يتخذ القرار بشأنهما منذ صغرهما من قبل والديهما، وعندما يبلغ الشاب عامه العشرون، وتكون الفتاة قد بلغت سن الثامنة عشر أو دون ذلك بسنة، حينها يقوم والد الشاب بمشاورة أخيه ويتم تحديد موعد الزفاف، والفتاة التي يتم (حيارها) لا يمكن لأحد من العشيرة أو حتى من أقاربها التقدم لخطبتها من أهلها.

النوع الثاني من الزواج يسمى عند أهل “الرقة” قديماً بزواج (البديلة)، أي أن يبادل أحدهم أخته بأخت قريبه أو صديقه دون أن يكون هناك مهر متفق عليه، وحين يتم طلاق إحدى الزوجتين، يتم أيضاً طلاق الزوجة البديلة الأخرى مباشرة، وإذا (حَرَدتْ) أي زعلت إحداهن من زوجها أو من أهله وذهبت إلى بيت أبيها ، فإنّ الأخرى أيضاً تترك بيت زوجها ، وتذهب إلى بيت أبيها والعكس يصحُ على ذلك .. يتبع الجزء الثاني