لكل السوريين

عادات وتقاليد دمشقية جمعت بين رؤيتين “العيش والأكل”

ريف دمشق/ روزا الأبيض 

علاقة الدمشقيين بالطعام علاقة مميزة ذات بعد عاطفيّ وعمليّ، فهي تجمع مابين رؤيتين، الأكل من أجل العيش والعيش من أجل الأكل. فالمطبخ السوري، وتحديداً المأكولات المحليّة، تشكّل عنصراً أساسياً في حياة الإنسان الدمشقي وثقافته، كما تراث مدينته. خاصة أننا كسوريين، لازلنا نقيم وزناً لعدد من العادات المتوارثة من جيل لآخر.

يتفنّن الدمشقيون في طريقة تحضير المأكولات التي تشعر المرء بالسعادة وتحافظ على صحته، ويعرفون جيداً كيف يستمتع الإنسان من خلال وجبة،. لا أحد يأكل وحيداً في دمشق، فالحب هو الفيتامين الأساسي في مطبخنا الدمشقي. فتحضير أي طبق يبدأ بذات الحبّ الذي يحرص كل فرد على أن يشاركه مع الأخرين.

ولكل شخص في العائلة دورٌ أساسيٌ في اكتمال أي وجبةٍ منزلية، من فطورٍ وغداءٍ وحتى العشاء، يحمل الأب والأم وحتى الأبناء، مسؤولية إتمام هذا الفرض المحبّب على قلوبهم جميعاً. يستيقظ الأب في كل يوم، ويستعد لجلب الخبز الطازج من أقرب فرن الى منزلهم، وهو يعلم أنّ الانتظار قد يكون طويلاً ليحين دوره، ولكن هذا يتيح لبقية أفراد العائلة الوقت الكافي لتحضير وجبة الفطور. فيسرع ابنه قبل ذهابه الى مدرسته أو عمله لجلب الحمص والفول وهو الطعام الأكثر شعبية في المجتمع الدمشقي، خاصةً في يوم الجمعة. وفي هذه الأثناء، تبدأ الأم وابنتها بتحضير الحواضر المنزلية والطاولة، وتزيينها بكل ما تشتهي النفس، من بيض ومربيّات منزلية ومشتقات الأجبان والألبان.

قد لا يتكرر هذا المشهد في البيوت الدمشقية في الأيام الباقية من الأسبوع مع انتقال الكثير من الناس إلى خارج المدينة أو بعيدا عن بيت العائلة سواءً كان ذلك من أجل العمل أو الدراسة. مما جعل الناس  يستبدلون تلك الطقوس العائلية بنمط حياةٍ جديدةٍ يناسب ظروفهم بشراء المأكولات الجاهزة التي أصبحت جزءً معتاداً في حياة سكان مدينة دمشق اليوم، وخاصةً أنها وفرت للناس السهولة في الحصول على متعة الطعام الذي اعتادوا عليه في منازلهم، من سندويشات ووجبات أساسية وخفيفة، بأسعار تناسب جميع الطبقات الاجتماعية في المدينة. وقد يكون الاختلاف الأساسي في هذه الحالة هو المكان. فعلى الرغم من كثرة الأصناف المتوفرة توجد قناعة راسخة لدى الكثيرين، ولتلك المأكولات الجاهزة أو المحضرة في المنازل يجب أن تُحضّر بشغف وذوق ويبقي السرّ الذي ورثناه عن أجدادنا  بحفاظنا على إرث مطبخنا الدمشقي.

في كل صباح، تعجّ الشوارع بالوجوه المباركة للرجال المسنين الذين انتهوا لتوّهم من أداء صلاة الصبح في جوامع الحي المجاورة لمنازلهم ليكملوا الطريق نحو الفرن لجلب الخبز الطازج من أجل موائد الإفطار.

من العادات المعروفة في مجتمعنا والتي تلاحظها قريبة من الأفران الدمشقية، أن يقوم الناس بنشر أرغفة الخبز، المعروف محلياً بالخبز المدعوم (الخبز الأبيض الخالي من الشعير) أو الخبز الحكومي الذي يدخل في تركيبته قسما من الشعير والذي يكون سعره مخفض بسبب الدعم الحكومي، بعد شرائه. ، فيرى المرء الأرغفة على أسطح السيارات أو الأسلاك القريبة من الفرن لتبريده وتهويته قبل وضعه في الأكياس المخصصة له لحفظه من الجفاف .

هذا السلوك يقي الخبز من التعفن ويطيل من صلاحيته، وترى بعض البائعين يضعون الطاولات الخشبية لتهوية الخبز قبل بيعه. كلّما كنت أمر قرب هذه الأفران وأستنشق رائحة الخبز المعجون بالملح والخميرة والممزوج بهواء دمشق وأنفاس أهلها كان ينتابني الفرح وينتعش صدري.

تعد الفلافل وجبنة الماعز المزينة بالسمسم وحبة البركة المعروفة بالجبنة البيضاء الفطور المثالي للذين يفتحون متاجرهم في الصباح الباكر قبل بقية المتاجر في الأسواق الدمشقية. يقول أبو موفق: “أشتري الخبز الطازج والفلافل ويأتي جاري ببعض الجبن من بيته لنكسر السفرة معاً” (كسر السفرة هو الفطور باللهجة الدمشقية).