لكل السوريين

مصطفى خليل” الدول الرأسمالية تحارب الإعلام والإعلامين، وتركيا على رأس القائمة بقيوده المفروضة على الصحفيين والنشطاء”

حاوره/ أحمد سلامة

أكد الصحفي السوري مصطفى الخليل، أن للإعلام دور كبير في توعية المجتمع، لكنه اليوم أصبح إعلام مسيس لصالح أجندات يعمل لها خاصة في الدول والأنظمة السلطوية المحاربة للديمقراطية، ولاسيما دولة تركيا إذ تتصدر الدول المحاربة للصحفيين والصحفيات والنشطاء داخلها، فهيا من أكثر الدول التي تقيد حرية الإعلام وتمارس حملة اعتقالات دائمة بحق أصحاب الأقلام الحرة، حيث أجرت صحيفتنا حوارا مع الصحفي السوري مصطفى خليل، وذلك للوقوف على مدى القيود المفروضة من قبل النظام التركي على الصحفيين  والضغط الكبير على العمل الإعلامي وصعوبته ضمن أراضيها، وجاء نص الحوار كما يلي:

_ما مدى تأثير الانتهاكات العسكرية التركية والاستهدافات على الأراضي السورية على أصحاب الأقلام الحرة  والصحفيات داخل اراضيها؟

لأيمكن فصل ممارسات الفصائل الإرهابية المدعومة من أنقرة وما بين ممارسات وآلية تعاطي التنظيمات المتطرفة مع الإعلام والإعلاميين؛ إذ أن القاسم المشترك ما بينهما هو التضييق على العمل الإعلامي، فالإعلام، أحد أبرز مهامه هو التوعية، ومحاولة تشكيل رأي جمعي، وهذا ضبطاً ما لا ترغب به تلك الفصائل.

إن التضييق الذي تنتهجه تركيا والفصائل المدعومة منها يهدف لتزييف حقيقة ما يجري في المناطق المحتلة تركيا والتي تدار من قبلها ومن قبل هذه الفصائل، والتي تشهد وبشكل يومي العشرات من حالات الانتهاكات على كافة المستويات.

_ماذا تركيا تستهدف الصحفيين والصحفيات  والنشطاء والناشطات بشدة وبطش؟

ببساطة لأن العمل الإعلامي -كما ذكرت سابقاً- يكشف الخبايا ويسعي لإيضاح الغامض والمستور إضافة لتفنيد الحقائق، فهذا ليس من مصلحة تركيا والفصائل المدعومة من قبلها، فهم يريدون أن يبقى الناس، في تلك المناطق المحتلة من قبلهم، يستقون الأخبار من خلال إعلامهم الخاص والموجة، وليس من مصلحتهم تعدد مصادر المعرفة عندهم. فهم يريدون من خلال إعلامهم تخدير الناس وتوجيهها بما يخدم أجندتها فقط، ولن يسمحوا لأحد أن يغرد خارج السرب، وبعيداً عما يريدونه.

_لماذا يخشى حزب العدالة والتنمية من فضح جرائمه الداخلية والخارجية  والانتهاكات التي يقوم بها، بفرض قيود وحظر خانقة على الاعلاميين والصحفيين الذين يعتبرون وسيلة نقل للعالم الخارجي وما مدى تأثيرها في السياسة التركية ؟ 

حزب العدالة والتنمية هو حزب إخواني، هذا من جانب، وبذات الوقت- وكما أثبتت سنوات الأزمة السورية-  يسعى لإعادة العثمانية القديمة، ولكن بلبوس جديد،  والطرفان(الإخوان والعثمانيون) لديهم حالة عداء ممنهجة مع حرية الرأي والتفكير، فالعثمانيون قديماً اتبعوا سياسة الاضطهاد، وكم الأفواه، والضغط بشتى السبل على سكان المناطق التي احتلوها، ولذلك من الطبيعي أن نجد من عارض هذه السياسات، ووقف بوجهها، وكشف خباياها، وخبائثها

،ومنهم “عبد الرحمن الكواكبي” في كتابه الشهير “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” وهو من أكثر المؤلفات التي غضت مضجع العثمانيين وقتها، وعندما تسلم الإخوان المسلمين الحكم في مصر، أيام مرسي، أول ما فعلوه هو التضييق على الفن والإبداع، ومن ضمن هذا كان الإعلام والإعلاميين.

هذا التطابق مع حرية الفكر ما بين العثمانيين وما بين حزب العدالة والتنمية يعبر بشكل جلي واضح عن العقلية الدكتاتورية المتسلطة، والتي تعمل جاهدة على أمرين- بما يتعلق بالإعلام- أولاً تمجيدها وإبراز محاسنها، وثانياً شيطنتها للآخر وإسباغ كل الصفات السلبية المتوحشة عليه، وإن لم يتحقق ذلك فإنهم يستخدمون منهجية “التكفير” ضده، مثلها داعش كذلك الأمر، عندما كانوا يسيطرون على الرقة ، حيث منعوا منعاً باتاً حتى مشاهدة التلفاز وكانوا يعتبرون ذلك إثماً وكفراً.

أما ما مدى تأثيرها على السياسة التركية، فتركيا بنظامها الحالي ربما هي من أكثر الدول التي لا تخجل من الاستدارة كلياً عن تصريحاتها وبالتالي هي لا تخجل من أن ينظر إليها-الآخرون- سواء كانوا دولاً أو مجتمعات على أنهم يضطهدون الإعلام ويضيقون على الإعلام، فالحجة جاهزة لديهم، وهي الخطر على الأمن القومي التركي.

_ النظام التركي الحالي يعتمد على سياسة التعتيم والتستر على ما يقوم به، لماذا برائيك؟

لعدة أسباب أولها، أنه بدأ يفقد مصداقيته لدى الشارع التركي، وفقدان هذه المصداقية ناتج عن تدخله السافر في الملف السوري واستثماره لصالحه ولصالح سياسته بشكل فج، والسبب الثاني وهو مرتبط بالسبب الأول، وهو التأثيرات الاقتصادية المباشرة على واقع الاقتصاد التركي وما أنتجه من انهيار في قيمة الليرة التركية وانخفاض في معدلات صرفها إضافة لشبح التضخم الذي بات مقلقاً للشارع التركي.

فمن هنا تبرز الأسباب الحقيقية التي ينتهجها النظام التركي في التستر والتعتيم على واقع الشارع التركي وضجره من ممارسات هذا النظام؛ وهي الخشية من منعكسات كشف الحقائق ومدى الزيف الذي يتمتع به هذا النظام.

:هل الدول الرأسمالية تقف بوجه الحقيقة ونشرها للرأي العام؟

الدول الرأسمالية بقدر ما تدعم الإعلام وتسانده وتدعي حرية الأعلام إلا أنها لا تقدم إعلامياً إلا ما ينسجم مع تطلعاتها وسياستها، فهي تتعامل مع الإنسان على أنه سلعة يمكن إخضاعها لمعايير الربح والخسارة، وكذلك لا تحترم كينونته وأخلاقه وثقافته، فهي تقدم المعلومة معلبة جاهزة بما يتناغم مع ما تريد فقط لا ما يريد المجتمع او ما تتطلب ال…

ما تتطلب الحقيقة.

وكون الدول الرأسمالية تدرك خطورة الإعلام، ومدى تأثيرها في العقول، سعت لأن تقدم للناس أفكاراً غير قابلة للمراجعة من قبل المتلقي، و بطريقة احترافية، وعلى سوية عالية جداً مهنياً، ولكن مضمونها يجتث القيمة الإنسانية من النفس البشرية بشكل ناعم ويستبدل هذه القيم بأفكار استهلاكية سريعة العطب.

_ماذا يعني ازدياد اعتقال الاعلاميين وزجهم في السجون من قبل النظام التركي الحاكم في الأزمة الاخيرة؟ 

لا يحتاج هذا السؤال للكثير من التفكير؛ إذ أن أهم معايير  الديمقراطية هو حرية الإعلام، ومدى صون هذه الدولة أو تلك لكرامة الصحفيين ولتسهيل العمل الصحفي الحر غير الموجه.

في الآونة الأخيرة، ارتفعت وتيرة الانتهاكات بحق العديد من الصحفيين في تركيا، ومنهم بعض الإعلاميين السوريين من اللاجئين هناك، وبعضهم مؤيدٌ علانية لقيام تركيا بعمل عسكري ضد بلدهم، بالتالي هذا النظام لا يتورع عن فعل أي شيء طالما يشعر أنه يشكل الإعلام خطراً عليه.

اللافت في الأمر، أن الكثير من دول العالم والعديد من المنظمات الإنسانية تعرف حقيقة السياسات التركية وممارساتها وانتهاكاتها ليس بحق الصحفيين فقط، بل مع عموم الناس، إلا أنها تدين وتستنكر بشكل لايرقى لحقيقة ما يجري في الشارع التركي.هنا يجب القول أن تواطئاً ما بين تلك الدول والمنظمات وتركيا ونظامها الحاكم عزز هذه الممارسات وجعلها شبه مباحة.

_الإعلام والصحافة وسيلة لنقل المشكلة والسعي لحلها، ما مدى الحرية التي تتمتع بها الصحافة والاعلام في ظل التحولات السياسية والمصالح الدولية ؟ 

تعدد وسائل الإعلام في بلد ما لا يعني بالضرورة أن هذا البلد يتمتع بقسط وافر من حرية الصحافة والإعلام، قد يكون مؤشراً على مدى هيمنة السلطة الحاكمة على صناعة الرأي في هذا البلد، وقد تشير أيضاً على حالة من عدم العلاقة الإيجابية ما بين السلطة والشارع، فالكم ليس هاماً بقدر النوعية التي تقدم وتطرح..

هكذا هي تركيا، ضبطاً، تحاول جاهدة تقديم نفسها على أنها البلد المنفتح متعدد الوسائل الإعلامية بطرق مختلفة، ومكاناً يسمح للجميع بالعمل الإعلامي به، وأنه البلد الذي يتقبل كل الثقافات وكل الآراء، ولكن الواقع أنهم لا يحتملون أن يسمعوا أغنية باللغة الكردية، وخير دليل على ذلك الفنان الكردي الشهير “أحمد كآيا” وكيف لاقى العذاب والاضطهاد فقط لأنها كان يريد إبراز هويته وثقافته.

_كيف تساهم الصحافة في نشر الوعي المجتمعي وكيف يمكن توجيه المجتمعات من خلال الإعلام ؟ 

في عصرنا الحالي تشكل وسائل الإعلام أحد أهم وأيسر وسائل المعرفة بسبب ثورة الاتصالات، ووجود وسائل التواصل الاجتماعي، بأشكال وطرق وأساليب معينة، فمن هنا التعويل الأكبر صار على الإعلاميين ووسائل الإعلام في توجيه المجتمعات نحو المعرفة والوعي الحقيقي المبني على احترام الإنسان وثقافته وقيمه.

وتلعب وسائل الإعلام الدور الأكبر في صناعة الرأي وتوجيهه، مع الأخذ بالحسبان أن يكون ذلك بما يتناسب مع واقعه وهويته، ومن هنا يجب ألا يتم تضليل الجماهير كما تفعل تركيا، والكثير من دول العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، ويجب أن تصان حقوق الإعلام والإعلاميين.

_تسيس الإعلام وعرقلة نقل الحقيقة من قبل الأنظمة السلطوية كيف؟ ولماذا دائما توضع قيود على الإعلام الحر ؟

هناك حالة من التنافر ما بين الأنظمة السلطوية وحرية الإعلام، وهذا التنافر قديم ما بين الطرفين وليس بجدي، حتى قبل أن تتبلور الوسائل الإعلامية بشكلها الحالي الذي نشهده حالياً، فالعديد من الشعراء والأدباء والمفكرين ذهبوا ضحية أفكارهم وتوجهاتهم وطروحاتهم، التي كانت تغض مضجع السلطات الحاكمة، وبالمقابل العديد من الدول العربية تكرس إعلامها في خدمة وتلميع السلطات الحاكمة، فنجد أن إعلامهم يقتصر فقط على “ودع واستقبل” أما لماذا تضع الأنظمة السلطوية قيوداً على الإعلام ومنها تركيا، وبعض الدول العربية، فهذا ناتج عن خشيتها من تشكل وعي لدى الجمهور يكشف دكتا توريتها ويعري حقائقها.