لكل السوريين

للأم في عيدها.. وردة

لطفي توفيق

وردة.. لكل أم..

مهما كان لون عينيها.. و لون بشرتها..

ومهما كان لسانها الذي تتكلم.. أو تتألم فيه..

وعبره.

وردة بيضاء.. لتلك الأم

التي انتظرت ابنها، وعاد ملفوفاً..

ببياض الأمل.. وسواد العيون..

واخضرار الأرض.. وزرقة السماء..

“فبكت دمعتين.. ووردة”.

ومسحت دمعة عن وجنة صغيرها..

وابتسمت له بين الدمعتين..

كما تبتسم الشمس بين خيوط المطر..

فيظهر ألف قوس قزح.

ورسمت في عيونه كوكبة أمل..

وفي أحزنه حديقة أزهار.

 

ووردة بيضاء.. وحمراء..

للأم التي لا تجد لابنها ما يُسكت جوعه..

بعد ألف يوم.. ويوم من ظلم الأقارب.. وحصار الأباعد..

وتجد في صدرها الحبَّ للأرض التي لن تبقى بمساحة الهزيمة..

ولن تبقى بحجم طموحات الصغار.

وتجد في صدرها القدرةَ على إرضاعه لبناً.. وشموخاً..

وحجراً.. سيعرف طريقه إلى رؤوس الأباعد..

والأقارب اللذين يقطر الظلم.. والحقد من مآقي عيونهم..

كما يقطر السمّ من أنياب الأفاعي.

سيعرف طريقه أثناء فجر..

بدأت تباشيره تشب عن الطوق..

وملامحه بدأت بالتشكل.

وردة.. وقبلة على الجبين..

للأم التي صارت أمَّاً لأطفال.. لم تنجبهم.

وعلمتنا.. وعلمتهم

أن الولادة.. وحدها.. ليست الأمومة.. كلها.

وأكثر من ألف وردة بيضاء..

وأوسع من حقل زنابق..

وأطيب من عطور الياسمين والخزامى

على مثوى تلك الأم التي كانت ترابط أمام “خم” الدجاجات كل صباح.

وتنتظر ليصبح عدد البيضات في “الخم”..

بعدد أفواه صغارها المفتوحة لتتلقف ما يسد الرمق.

وتعد أرغفة خبز الصاج على أصابع يدها كل ليلة..

ومرة بعد مرة..

لتتأكد أنها تكفي تلك الأفواه ليومين على الأكثر..

بانتظار رب البيت الذي لن يعود.

ووردة.. لجارتنا التي خاطبت ابنها يوماً..

بعبارة قاسية وغاضبة..

فصارت عبارتها.. نبوءة:

في الماضي.. القريب..

غضبت جارتنا على ابنها الذي لم تكرهه يوماً

فقالت له: “تبقى ماشي.. والرغيف خيَّال”.

وفي الحاضر الغريب..

الذي لا يشبهنا بشيء..

صار ابن جارتنا “الماشي”..

وصار الرغيف خيَّالاً..

وغدنا الغامض.. كأحزان طاغية.

يعدّ لنا سباقاً عصرياً

بين “آلاف الماشين”.. والأرغفة الخيَّالة.

فوردة على ضريح جارتنا..

التي لن تحضر هذا السباق.