لكل السوريين

متى نتحدث عن المسكوت عنه

لطفي توفيق

يقال إن التاجر المفلس.. يكثر من البحث في دفاتره القديمة.

وصار هذا القول مثلاً يضرب على من يفشل في أمر ما..

فيعود للبحث عن أمور سلفت..

ولا تتعلق بموضوع فشله بالضرورة.

وربما يقود هذا القول..

وهذا المثل إلى استنتاجين خاطئين..

فليس كل من يبحث في دفاتره القديمة.. مفلساً بالضرورة.

وليس كل من يبحث بأمور سلفت..

فاشلاً بالضرورة.

فالباحث في دفاتر التاريخ قد يعثر على صورة مشرقة..

تنير ضبابية الحاضر.

وقد يعثر على فكرة مازالت تومض بالجميل والنبيل.

ما استطاع مرور الزمن إطفاء وميضها..

ولم تتمكن صفحات التاريخ الصفراء من تشويهها..

ولن يتمكن كتبة التاريخ من العبث بها.

فقد لخّص هؤلاء الكتبة التاريخ بسيرة قادة الحروب..

وأباطرة الدول.. وزعماء العصابات.. وحيتان المال.

وقيل “التاريخ يكتبه المنتصرون”.

وكتبة التاريخ يكتبون تاريخ المنتصرين.

ويكتبون تاريخ المهزومين لصالح جبروت المنتصرين.

ويسكت الكتبة عن ذكر المبدعين الذين يصنعون الألق  للشعوب وللتاريخ..

والمفكرين الذين يساهمون في التأثير على مجرياته..

والشخصيات التي صنعت..

أو تسببت بانعطافات مهمة في مسيرته.

وفي التاريخ المسكوت عنه حقائق ناصعة..

وألق متوهج.

يجب أن يذكر به المنصفون.

والتاريخ السوري.. بقديمه وحديثه..

مليء بالمغيّب قسراً.

وبالمسكوت عنه عمداً..

لأكثر من غاية في نفس أكثر من يعقوب.

السورية.. جوليا دومنا

ابنة حمص..

وزوجة سبتيموس إمبراطور روما..

ومساعدته ورئيسة ديوانه..

والصانعة لمعظم قراراته.

أدخلت الثقافة السورية إلى روما.

وافتتحت عهد الأباطرة السوريين الذين حكموا روما خلال عدة عقود.

ومهدت الطريق لنساء سوريات حكمن روما.

وعندما أصدر ابنها الإمبراطور كركلا مرسوماً ساوى بين مواطني الإمبراطورية.

قدم للسوريين فرص الوصول إلى أرفع المناصب في روما.

ولعل خير تأريخ لتلك المرحلة قول الشاعر اللاتيني جوفينال..

“لقد فاض نهر العاصي وغمر نهر التيبر”.

ولعل في وجود تمثال جوليا دومنا بمتحف الفاتيكان حتى الآن..

بعض التذكير بمن يستحقه..

وبعض التكريم لمن يستحقه..

ولو كان على يد غير أهله..

وعلى غير ترابه

التذكير بالمسكوت عنه ليس لمجرد الحكاية والتكريم.

فالأهمية في العبرة..

وفي النموذج.