لكل السوريين

حينما يتذوق الأحفاد نكهات الأجداد.. “مضافات السويداء” ثقافات عابرة حافظت على أصالتها

تشتهر منطقة جبل العرب ومحافظتها الرئيسة مدينة السويداء جنوب العاصمة السورية دمشق بتقليد متوارث جميل منذ عشرات السنين وهو (المضافات)، حيث لدى كل عائلة في المنطقة مضافة يتفاخرون من خلالها بالكرم والجود الذي يرتبط بأهالي السويداء وعُرِفوا به منذ سنين طويلة، ويتسابق أصحاب المضافات على استقبال ضيوف المدينة ومناطق الجبل بعبارة يكررها هؤلاء ما دام الضيف في مضافتهم وهي (يا أهلا وسهلا)، وتروى طرفة هنا تقول إن أحد أبناء السويداء كان يقيم في بريطانيا ويدرس في جامعاتها وفي زيارة له لمدينته جاء معه صديق بريطاني فطلب الشاب والذي يعرف تقاليد أهله بالكرم والترحاب بالضيف من والده الكبير في السن أن لا يستقبله بعبارة يا أهلا وسهلا، ويكررها على الضيف البريطاني فهو لن يفهمها على أنها دليل للترحيب، بل طلب منه أن يستقبله بعبارة إنجليزية سهلة وبسيطة ولمرة واحدة وهي (هاو دو يو دو) وبالفعل نفذ والده ما طلبه منه ولده واستقبل الضيف البريطاني بعبارة (هاو دو يو دو) ولكنه لم يستطع ضبط نفسه في أن يقولها لمرة واحدة، بل بدأ بتكرارها كما يفعل بـ(يا أهلا وسهلا) فصار يرددها وبشكل طريف (ياهو هو يادو دو).

وللمضافة تصميم خاص يتناغم مع عادات الكرم والقيم الإنسانية النبيلة فهي ترمز لتلك التقاليد وتعد حاضنة لها وتكون عادة عبارة غرفة كبيرة واسعة موجودة في كل بيت سواء في القرية أو المدينة وتصمم بشكل خاص تقليدي من مصطبة عريضة على محيط المكان ويتوسط الغرفة حفرة (نقرة) مستطيلة الشكل بعمق 20 سم وعرض 75 سم وبطول متر واحد توضع على أحد أطرافها أباريق ودلال القهوة المرة المصنوعة من النحاس والفناجين والجرن والمحماسة يشعل في النقرة الحطب لطبخ القهوة، ولشرب القهوة آداب معروفة، حيث يقدم الفنجان أولاً للضيف البعيد أو الكبير السن أو الوجيه، فإذا تساوى الحضور مكانة وقربًا من صاحب المنزل تقدم القهوة ابتداء من اليمين وبالدور وترتبط المضافة، تتابع مصادر سياحة السويداء بالكرم المتوارث في المحافظة أبًا عن جد وأصبحت السمات العامة المميزة لها فيتسابق أصحاب المضافات على تقديم ألذ الأطباق التقليدية على الغداء والتي يشتهر بها مطبخ السويداء وجبل العرب عمومًا، إضافة لمأكولات معروفة بنكهة محلية، حيث يقدم فيها الطعام التقليدي (المنسف) المعد من البرغل واللحم الطازج وخاصة لحم الغنم والذي يسمى لحم الضأن ويضاف له المرق وله تسمية محلية هي (المليحية) وجاء اسمها من طيبة ولذة مذاقها ويُزَيَّنْ المنسف بأقراص الكبة والوربات والمكسرات، والمنسف قدر مستديرة واسعة قليلة العمق على جانبيها حلقات من أجل الحمل وسمي الطعام على اسمه.

من جهته الطاهي (يزن درويش) وهو ابن السويداء يقول: “من أهم الأطباق في جبل العرب والتي تقدّم في المضافات وحتى في المطاعم والمنازل عندما يكون هناك ولائم وعزائم هي (المنسف والمغربية واللزقيات والشيش برك والكبة) وإذا كان المنسف يأتي في الأولوية بهذه المضافات والولائم فهناك أيضًا (المغربية) وتحضّر على البخار من خلال سلق الدجاج مع البطاطا والبصل بحيث يرتب على طبقات ثلاث في الأسفل البطاطا ثم البصل وأخيرًا الدجاج، ويضاف على الوجه مرقة الدجاج. وهناك (الشيش برك) ونقدمها على طريقة مطبخ السويداء، حيث نحضر الدقيق والخميرة والملح مع رشة سكر وماء تعجن وتترك لترتاح نحضر خلالها الحشوة وهي تشبه حشوة الكبة والصلصة تشبه صلصة المنسف يعني ملاحية نقوم بمد العجين في صينية واسعة ويقطّع لدوائر ثم يحشى بالحشوة المؤلفة من لحم وبصل ويغلق ويسلق بالملاحية وتسكب بالمنسف لتقدم للضيف”.

وهناك أيضًا حلوى محلية، يتابع درويش، تقدّم في المضافات بعد الطعام الرئيسي كما في المناسبات والولائم وتسمى (اللزقيات) يتم إعدادها على الشكل التالي: نحضّر المواد الأولية وهي العجينة ودقيق القمح والخميرة وزيت الزيتون وبهارات مختلفة وسكر وماء، يتم بعد ذلك ترتيب الخبز بسبع طبقات في صينية واسعة ويسكب فوقها الصلصة والمكونة من الحلاوة والحليب والسكر وتطهى على الموقد لفترة محددة من الوقت بعد ذلك يرش على وجهها الفستق الحلبي وتقدّم كحلوى شعبية لذيذة المذاق. كذلك من الحلويات الشعبية التي تتميز بها السويداء وتعتمد موادها الأولية على المنتجات الزراعية في المحافظة هناك (الزلابية) وتحضر من الدقيق مع السكر ويضاف لها دبس العنب و(المرشّم) وهو من الدقيق الناعم المطحون والمعجون مع السكر الناعم والزبدة البلدية، حيث يطهى بالفرن بعد تقطيعه على شكل أقراص دائرية لتتحول إلى لون ذهبي.

وما يميز مأكولات السويداء ليس فقط لذة مذاقها بل تنوعها واعتمادها على منتجات الطبيعة التي تشتهر بها المحافظة ولذلك يصنف مطبخ السويداء بأنه مطبخ ريفي صحي بحكم كون الإنتاج الرئيسي فيها هو الإنتاج الزراعي، فأثّر هذا الإنتاج على مواصفات هذا المطبخ من حيث الطعام الطبيعي الصحي والذي يتغير حسب موسم الإنتاج أي لا يوجد تعليب أو تفريز للمواد. بحيث يتم تحويلها لمأكولات لذيذة تقدم في المضافات كما في المنازل ومنها الخبز البلدي من القمح غير المقشور، حيث يستخدم لخبزه التنور والذي يعمل على الحطب وورق شجر البلوط الجاف، وبالتالي يكون هذا الخبز منتجًا طبيعيًا بالكامل، كذلك لاشتهار السويداء بشجيرات العنب وإنتاجها الواسع منه فيتم تحويله للدبس وتجفيفه لتحويله لزبيب.