لكل السوريين

(الرقتان).. عبق الثقافة السورية في عمق الجزيرة السورية

إعداد/ محمد عزو

قبل البدء بسرد الحقائق التاريخية المتعلقة بتاريخ الرقتان، لعله من الضروري إيضاح تعريف عام بالمعنى اللغوي للفظ الرقة.

الرقة، تلفظ “بفتح أوله وتشديده في المعاجم” (كل أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء أيام المد، ثم ينضب، وجمعها رقاق)، أو أنها ” الأرض اللينة التراب”.

وفي كتاب الأعلاق الخطيرة: عن “هشام الكلبي”: وأنما سميت بالرقة، لأنها على شاطئ الفرات. وكل أرض تكون على الشط ملساء مستوية، فهي رقة.

وقد حملت مواقع أخرى كثيرة اسم” الرقة”، فعلى سبيل المثال في بغداد ورد اسم” رقة كلواذا” و” رقة الشماسية” التي تضم الكثير من مساكن الأمراء البرامكة وقصورهم في العاصمة” بغداد” ، وهناك رقات أُخر مثل” الرقة” في” بغداد” التي أورد اسمها” ابن الأثير” في العصر” السلجوقي” .

وتم ذكر “رقة بوصرا” في” سامراء” التي كان يأوي إليها الخليفة “المتوكل” لكثرة خمائلها وتغريد الأطيار بها.

ومن الرقات التي ذكرها الجغرافيون والبلدانيون “رقة” ذكرها” المقريزي” هي من جملة مدائن” مدين” . بين بحر “القلزم” وجبل “الطور.

” و” الرقة” إحدى بلاد” قوهستان” (وهو اسم لعدة مواقع جبلية في بلاد فارس). وهناك “رقة” واسط التي شيدت في عهد الخليفة “هشام بن عبد الملك” على اليمنى لنهر الفرات قبالة الرقة البيضاء والرافقة.

بعد تفلية المصادر التي نملكها لم نجد بلداً أو موضعاً من بين هذه البلدان والمواضع عرفناها قد حمل اسم الرقتين سوى مدينة الرقة الجزرية، فقد ذكر ياقوت الحموي الرقتين، بالتثنية وقصد بهما الرقة البيضاء والرافقة وبهذا الخصوص يقول الراحل مصطفى الحسون: (.. وربما ما ذهب إلىه ياقوت صحيحاً في الفترة التي تلت تأسيس الرافقة).

فالرافقة بنيت في الربع الأخير من القرن الثامن الميلادي، واشتهرت كمدينة حديثة ومزدهرة في ذلك العصر. والرافقة هذه لا تعدو أن تكون إحدى الرقاق  أو الرقات التاريخية التي نشأت على أرض هذه المدينة كما يقول الحسون. يقول ياقوت الحموي:(. أضنهم ثنوا الرقة والرافقة كما قالوا العراقان للبصرة والكوفة).

ثم أنه عاد وأورد قصيدة للشاعر عبداللة بن قيس الرقيات وجهها إلى عبدالله بن جعفر بن أبي، طالب يطلب فيها العون والوساطة، من أبياتها:

– ذكرتك أن فاض الفرات بأرضنا/وجاش بأعلى الرقتين بحارُها

الشاعر ابن قيس الرقيات مات سنة/85هج – 704م/ وهو شاعر أموي – وعهده سابق لبناء الرافقة التي هي من زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور الذي شيدها عام/772م – 155هج/، وبذلك نقول إن لفظ الرقتين جاء وارداً في هذا البيت قبل عصر بناء الرافقة بسنين طويلة. يفهم مما تقدم أن لفظ الرقتين جاء وارداً منذ بداية العصر الإسلامي وقبل بناء مدينة الرافقة. كما أنه ورد ذكر تلين متجاورين قبل الفترات السابقة على الإسلام وذكر مدينتين متجاورتين منذ العصور التاريخية التي سبقت الفتح الإسلامي. وفي العصر الإسلامي كان اسم “الرقة” البيضاء وارداً منذ أن فتحت مدينة “الرقة” عام/639م/ على لسان القائد “سهيل بن عدي” يوم فتح “الرقة” بقوله:

أخذنا الرقة البيضاء لما/رأينا الشهر لوح بالهلال

كما أنه في بداية العصر الأموي قد ورد اسم موضع قرب “الرقة” البيضاء شرقاً يقال له “الحمراء” وقد ورد الاسم “الحمرات” ، وهذا الاسم يعني موضعاً أو قرية كبيرة، وبينها وبين الرقة البيضاء تقع الرقة السمراء التي شيدت في القرن السابع قبل الميلاد من قبل الآراميين حسب ما قاله العالم هنيكمان، ويقول الراحل مصطفى الحسون فإذا تذكرنا : (.. فأذا تذكرنا صفات الألوان التي جاءت متزامنة مع مجموعة بلدان أو قرى متجاورة، ووجود حاضر كان للعرب حول الرقة، وقوم من الفلاحين الذين يقترن وجودهم بالسواد أو الأرض الزراعية، فأن في ذلك ما ينطبق على الرقة السمراء أو السوداء) *-(مجلة الدراسات الشرقية شمال شرق سورية، المجلد الاول.. 41_ 42 – 1989-1990م. ص ضئ. 31-32. الرقتان.. مصطفى الحسون رحمه الله).

من هنا يمكن القول أن لفظ الرقتين (قبل بناء الرافقة) من القرن السابع الميلادي يشير إلى الرقة البيضاء والرقة السمراء الواقعة على مسافة/5 كم. /شرقي الرقة البيضاء.