لكل السوريين

بسطات البضائع الرخيصة تغزو أسواق الساحل السوري وسط فوضى وغياب للرقابة الرسمية

تقرير/ اـ ن

تشهد مدن الساحل السوري حالة غير مسبوقة من الفوضى في الأسواق والشوارع العامة، نتيجة انتشار واسع لبسطات تبيع بضائع وأغذية رخيصة الثمن ومجهولة المصدر، ما أثر سلباً على النشاط التجاري المنظم، وتسبب بأزمات صحية وتسمم غذائي في ظل غياب واضح للرقابة الصحية والتموينية. يأتي هذا الانتشار عقب سقوط النظام السابق، ومع تردي الأوضاع الاقتصادية وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ما فتح الباب أمام تجارة المواد المهربة والفاسدة في مناطق اللاذقية وطرطوس وما حولها.

منذ سقوط النظام البائد، امتلأت أرصفة وشوارع مدن الساحل السوري – خصوصاً في اللاذقية، الحفة، جبلة، طرطوس، بانياس، صافيتا والقدموس – ببسطات متنقلة. تعرض هذه البسطات مختلف أنواع البضائع، من ألبسة وأطعمة وأغذية معلبة، إلى حبوب مجففة وأوانٍ مطبخية بلاستيكية وزجاجية.

تمركزت هذه البسطات بشكل عشوائي أمام المحلات التجارية وعلى الأرصفة، متسببة في ازدحام مروري خانق، وعرقلة لحركة المشاة، في حين تقدم هذه السلع بأسعار منخفضة مقارنة مع ما هو متوفر في المحلات النظامية. هذه المنافسة غير المتكافئة دفعت العديد من أصحاب المحال إلى إغلاق متاجرهم، ما انعكس سلباً على موارد الخزينة العامة التي كانت تعتمد على ضرائب تلك المحال.

ويتحمل المسؤولون المحليون في طرطوس، إضافة إلى الجهات التابعة لسلطة دمشق، المسؤولية المباشرة عن تنظيم الأسواق، ومراقبة الأنشطة التجارية، وضبط الإشغالات والمخالفات، خصوصاً في مدن يفترض أنها تستعد لمواسم سياحية وعودة المسافرين. لكن الواقع الحالي يعكس فوضى وغياباً للمتابعة، وتدهوراً في مستوى الخدمات، ما أضر بصورة هذه المدن.

الأسواق والبسطات تغص بكميات ضخمة من السلع المهربة ومجهولة المصدر، خصوصا المواد الغذائية. وتشمل هذه المواد المعلبات مثل السردين، التونا، المارتديلا، الزيوت المهدرجة، الأسماك المثلجة، ولحم الجاموس، التي تدخل عبر إدلب وحلب، وتباع دون أي رقابة صحية أو تموينية. وتنتشر بينها منتجات لبنانية وتركية، أغلبها منتهية الصلاحية أو ذات نوعية رديئة.

المواطنون من ذوي الدخل المحدود يتجهون لشراء هذه المواد بسبب رخصها، إذ يرونها خياراً مقبولاً يسد رمقهم في ظل انهيار القدرة الشرائية. ومع غياب السيولة، تشكل هذه المنتجات الرخيصة بديلاً للطبخ المنزلي اليومي، رغم المخاطر الصحية المرتبطة بها.

وقالت أم رياض، من سكان اللاذقية: “نحن عائلة من ستة أفراد. زوجي تم فصله من العمل، وأنا في إجازة بلا دخل ولا راتب. نعتمد على دخل ابنتي. لا نستطيع شراء لحم الضأن أو حتى الخضار والفواكه، فهي غالية جداً. كل أسبوع أذهب إلى السوق، وأشتري كيلو من لحم الجاموس المجمد، وبعض المعلبات الرخيصة من إدلب أو تركيا، لأنها الخيار الوحيد المتاح”.

وتسجل حالات تسمم غذائي بشكل شبه يومي في مدن الساحل، نتيجة استهلاك أطعمة فاسدة من لحوم وأسماك ومعلبات مهربة. ورغم نداءات متكررة من وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، لم تتخذ السلطات أي إجراء فعلي ضد المهربين أو باعة المواد الفاسدة.

وحذر جميل، تاجر مواد غذائية من طرطوس، قائلاً: “هناك مواد علفية تُستخدم لتصنيع الزعتر، ومواد منتهية الصلاحية كالبهارات والعدس الأحمر والزيوت والرز. تم أيضاً ضبط سميد فاسد أعيد تعبئته في أكياس جديدة، وزيت نباتي مجهول المصدر أعيد تكريره وتغليفه على أنه منتج محلي”. وأضاف: “تم ضبط صناديق مياه معدنية ملوثة تحتوي على رمال وأشنيات في اللاذقية، و15 طناً من المواد المخصصة لصناعة رقائق الشيبس للأطفال منتهية الصلاحية في طرطوس، حيث تم تغيير تواريخ الصلاحية ووضع تواريخ جديدة عليها”.

وبدورها أوضحت منال، هي طبيبة من اللاذقية، “الأسبوع الماضي فقط، تعرض 17 شخصاً لحالات تسمم بعد تناولهم معلبات منتهية الصلاحية مجهولة المصدر، وتم نقلهم إلى المشفى الوطني. الشوارع ممتلئة بالبسطات التي تبيع بضائع مصنعة في الشمال السوري أوتركية، وسعرها يثير الشكوك حول صلاحيتها”. وأضافت: “تصوروا أن كيلو دوار الشمس بـ 15 ألف ليرة سورية، ونصف كيلو مكسرات بـ 10 آلاف، وثلاث علب سردين بـ 25 ألفا. من الضروري التحقق من صلاحيتها للاستهلاك البشري، ويجب على سلطات دمشق تنظيم الأسواق وحماية المنتجات الوطنية”.

في ظل غياب إجراءات تنظيمية فعالة، ومع استفحال الفوضى، تبقى صحة المواطن السوري في الساحل مهددة. وما لم تتحرك الجهات المعنية للحد من انتشار المواد المهربة وتنظيم النشاط التجاري، فإن الأوضاع مرشحة لمزيد من التدهور الصحي والاقتصادي على حد سواء.