دمشق/ مرجانة إسماعيل
يترقب قطاع صناعة الأدوية في سوريا انفراجة جزئية بعد سنوات من الأزمات الخانقة التي انعكست على توافر الدواء وأسعاره، وسط معاناة يومية يعيشها المرضى بسبب النقص الحاد في الأصناف الحيوية وارتفاع أسعارها بشكل يفوق قدرة معظم المواطنين.
وفي عيادة الأورام بأحد أحياء دمشق القديمة، تصف سلمى (45 عاماً)، المصابة بسرطان الثدي، معاناتها المتكررة في البحث عن الأدوية قائلة: “كل شهر نفس المعاناة… أبحث في عدة صيدليات قبل أن أجد الدواء، وإذا وجدته يكون سعره أعلى من راتبي”. وتصل كلفة بعض أدويتها إلى أكثر من مليون ليرة سورية شهرياً.
وتواجه صناعة الدواء في سوريا تحديات كبيرة، أبرزها العقوبات الدولية التي عرقلت استيراد المواد الأولية، وفرضت قيوداً على تحويل الأموال، وأعاقت صيانة خطوط الإنتاج بسبب نقص قطع الغيار. هذه العوامل تسببت بتراجع إنتاج العديد من الأصناف الحيوية، خصوصاً أدوية الأمراض المزمنة مثل القلب والسكري والسرطان.
وبالرغم من أن قطاع الأدوية لم يكن مشمولاً بشكل مباشر بالعقوبات، إلا أن تأثيرات الحرب والقيود المصرفية الدولية رفعت التكاليف وأعاقت وصول المواد الخام، مما فاقم أزمة الدواء في البلاد.
ويقول خالد، صاحب صيدلية في دمشق، إن الأسعار تضاعفت بشكل غير مسبوق: “حبة الدواء التي كانت تباع بـ3 آلاف ليرة أصبحت اليوم بـ80 ألفاً. المرضى لا يستطيعون تحمل هذه الكلفة”. وتوضح ناديا، وهي طبيبة في مشفى عام، أن الأطباء يضطرون لوصف بدائل غير فعالة بسبب انعدام توفر الأدوية الأصلية.
في أحد مصانع الأدوية على أطراف العاصمة، يعمل الفنيون على صيانة آلات قديمة تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، وسط صعوبات كبيرة في الحصول على قطع الغيار والمواد الخام. ويشير مدير المصنع إلى أن رفع بعض العقوبات مؤخراً ساهم في زيادة محدودة بالإنتاج، لكنها لا تزال غير كافية لتلبية الطلب الكبير في السوق.
وفيما تنتظر الصيدليات إعادة رفدها بالأصناف المفقودة، يواجه المواطنون صعوبات يومية. أبو محمد (60 عاماً)، المصاب بالسكري وارتفاع الضغط، يقول إنه يضطر أحياناً لتقليص الجرعة بسبب عدم قدرته على شراء الكمية كاملة. أما زوجته، فتوقفت عن تناول دوائها بسبب ارتفاع تكلفته وتحوله إلى “عبء على الأسرة”، وفق تعبيره.
ورغم هذا الواقع الصعب، بدأت بعض المؤشرات الإيجابية بالظهور، حيث عادت كميات محدودة من أدوية الأمراض المزمنة إلى الأسواق، مستفيدة من التعديلات الجزئية على نظام العقوبات، وخاصة ما يتعلق بالقطاع المصرفي. إلا أن خبراء يرون أن هذه الخطوات تبقى غير كافية، ويؤكدون أن الحل الجذري للأزمة يتطلب إصلاحات اقتصادية شاملة ودعماً مباشراً لصناعة الأدوية.
“المشكلة ليست في توفر الدواء فقط”، يوضح خبير اقتصادي، “بل في انهيار القوة الشرائية. حتى لو توفر الدواء، كثيرون لن يتمكنوا من شرائه دون تدخل حكومي ودعم للرواتب”.
وفي ظل هذه الظروف، يبقى الأمل حاضراً في نفوس المرضى. سلمى، التي عادت إلى منزلها بأقل من نصف أدويتها، تقول: “سأحاول مرة أخرى غداً… ربما أجد محسناً يساعدني أو ينخفض السعر… ما فينا غير نصبر”.