لكل السوريين

تطور الدساتير السورية.. حزب الوحدويين الاشتراكيين

تقرير/ محمد الصالح 

 

احتضنت الحضارة السورية الضاربة في القدم أولى الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية، حيث اكتشف علماء الآثار الكثير من القوانين المكتوبة في منطقة سوريا التاريخية، تعود إلى مراحل وحضارات تاريخية مختلفة، ويعود أقدمها إلى تاريخ 2360 قبل الميلاد، في مملكة ماري التي تأسست في الألف الثالث قبل الميلاد على ضفاف نهر الفرات في الجزيرة السورية.

ومع التطور الاجتماعي، عبر التاريخ المعاصر بقيت مركز التشريع والتقنين في محيطها الجغرافي رغم التقلبات السياسية والاجتماعية والانقلابات العسكرية التي عصفت بها.

ولعبت الأحزاب والقوى السياسية المستقلة دوراً بارزاً في تطور الدساتير السورية، وخاصة الكتلة الوطنية التي انقسمت فيما بعد إلى حزبين، حزب الشعب والحزب الوطني الذي استمر بالعمل إلى أن تم حل الأحزاب خلال فترة الوحدة بين سوريا ومصر، وعاد الحزب إلى العمل بعد الانفصال، وفاز بالأغلبية في انتخابات العام 1961.

حزب الوحدويين الاشتراكيين

بعد وقت قصير من مرحلة انفصال الوحدة بين سوريا ومصر، أدركت قيادة حركة الوحدويين الاشتراكيين أهمية التحول من حركة سياسية إلى حزب يشكل الحامل الرئيسي للفكر الناصري في سوريا، فتم تأسيس “حزب الوحدويين الاشتراكيين” وتحولت الحركة إلى حزب قائم بذاته.

وجمع الحزب الجديد حوله كثيراً من الأشخاص الذين أرادوا أن يربحوا حزب البعث دون أن يخسروا جمال عبد الناصر.

فكسر الوحدويون بذلك الحلقة الحديدية التي ربطت البعثيين بالثلاثي البعثي آنذاك، حيث سقط كل من أكرم الحوراني وصلاح الدين البيطار من صفوف الوحدويين بسبب مشاركتهما في الانفصال، وعندما رفض ميشيل عفلق طلب الحركة بإصدار قرار صريح بفصلهما من الحزب،

سقط هو الآخر من صفوف الوحدويين الذين اعتبروا أن القيادة انحرفت عن مبادئ البعث القومية الوحدوية، ورشحوا أنفسهم لإنقاذ هذه المبادئ.

وتطور الحزب الجديد ليحتل مراكز متقدمة في عملية التنافس بين الأحزاب السياسية، واستطاع أن يشكل الطليعة الوحدوية الاشتراكية في البلاد لفترة طويلة.

ومع أن حزب الوحدويين الاشتراكيين لم يكن وليد بنية تقليدية، إلا أنه اتخذ شكل الحزب العقائدي التقليدي، وكرس مركزية رئاسية صارمة من خلال نفوذ قيادة مخضرمة هرمة تمثلت بأعضاء المكتب السياسي المتقدمين في السن باستثناءات قليلة، وكان كل أمناء فروعه من الرعيل الأول.

وأُخذ على الحزب الجديد عدم وجود دماء جديدة في صفوفه، واقتصاره على الوجوه التقليدية والقيادات السابقة، ولكنه سارع إلى سد هذه الثغرة في تنظيمه من خلال التركيز على ضم أكبر عدد من الشباب إلى صفوفه.

وعن هذا قال خالد العبود، وهو من جيل الشباب بالحزب ومدير تحرير جريدة “الوحدوي” الناطقة باسمه: الطاقات الشابة موجودة بالحزب وتمارس دورها بالقيادة، كما في قيادات الفروع التي تتمثل فيها هذه الطاقات بنسب عالية، وهذه القيادات هي الأهم على مستوى الحزب في المحافظات، وهذا يعني أن زج الطاقة الشابة موجود والأمر يخضع لقدرة هذه الطاقات بالذات.

 

حركة الوحدويين الاشتراكيين

تبلور التيار السياسي الناصري في الخمسينيات من القرن الماضي، بسبب انتشار الفكر القومي في تلك المرحلة، وتأثير شخصية جمال عبد الناصر المتميزة، وتنامى حلم توحيد كافة الدول العربية بدولة واحدة تمتلك الثروات البشرية والطبيعية الهائلة، ولكن هذا الحلم بقي أقرب إلى الأمنيات العاطفية منه إلى التيار السياسي المنظم.

وبعد انفصال الوحدة بين سوريا ومصر حدثت تحولات هامة في هذا التيار، وتبلور أكثر فأكثر في ستينيات القرن الماضي وأصبح جماهيرياً بامتياز، ولكنه افتقر إلى البنية التنظيمية التي تؤمن له الاستمرار المتماسك، وسرعان ما تقسم إلى مجموعات وأحزاب تتفق على إدانة الانفصال، والتأكيد على أن الوحدة العربية هي الهدف الأول، وتختلف على كل شيء غير ذلك.

بعد الانفصال، اجتمعت شخصيات من قيادات الصف الثاني في حزب البعث المستائين من توقيع أكرم الحوراني، وصلاح الدين البيطار، على وثيقة الانفصال

وقررت العمل تحت اسم “حركة الوحدويين الاشتراكيين”، وسخرت كل جهودها لإعادة الوحدةـ وأعطت ولاءها لجمال عبد الناصر تاركة خلفها انتماءها الحزبي القديم.

ولم تطلق على نفسها اسم حزب لكي لا تأخذ صفة الديمومة حيث كانت تهدف إلى تأسيس حزب قومي شامل تكون جزءاً منه.

وفي مؤتمرها التأسیسي1962، أصدرت الحركة ميثاقها الذي نشر في بيان مؤلف من صفحة واحدة.

ووضع فائز إسماعيل ميثاق الحركة ونظامها الداخلي، وأعطت كل ما لديها لصالح الوحدة ومواجهة حركة الانفصاليين، وشاركت بشكل واسع بالمظاهرات الشعبية العارمة التي واجهت الانفصال، واكتسبت سمعة وهيبة في الوسط الوحدوي الشعبي السوري، وشكلت العمود الفقري للحركة الوحدوية الناصرية المناوئة للانفصال.

ولكن الحركة لم تنضم إلى أي حزب آخر، بل تحولت إلى حزب قائم بذاته، وأصبح بيانها المؤلف من صفحة واحدة آلاف الصفحات، والمؤتمر التأسيسي الأول تلاه عشرات المؤتمرات وأصبحت قياداتها تشكل الصف الأول في “حزب الوحدويين الاشتراكيين الجديد”.

بما يشير إلى أن الوحدويين الاشتراكيين أدركوا أهمية تأسيس حزب في سوريا خلال مرحلة الانفصال.