لكل السوريين

أسوارها متغلغلة في عبق التاريخين الكردي والعراقي.. “قلعة أربيل” تاريخٌ شاهد على حضارة ما بين النهرين

قلعة وحصن أثري تقع فوق تل ومركز مدينة أربيل في إقليم كردستان. أُدرجت القلعة على قائمة التراث العالمي منذ 21 يونيو 2014.

عصور ما قبل التاريخ

ربما يعود تاريخ موقع القلعة إلى وقت مبكر قد يعود إلى العصر الحجري الحديث حيث عُثرت على أجزاء من الفخار يرجع تاريخها إلى تلك الفترة على سفوح التل. وهو دليل واضح على الاستيطان السكاني ويأتي من العصر الحجري النحاسي مع شقف تشبه الفخار في فترتي العبيد وأوروك في الجزيرة وجنوب شرق الأناضول على التوالي. بالنظر إلى هذا الدليل على الاستيطان المبكر، فقد سميت القلعة أقدم موقع مأهول باستمرار في العالم.

أقدم السجلات التاريخية

ظهرت أربيل لأول مرة في المصادر الأدبية حوالي 2300 قبل الميلاد في أرشيف إبلا. وفقًا لـ جوفاني بيتيناتو، فهو مذكور في لوحين باسم «أربيلوم».

كانت المدينة في البداية تحت السيطرة السومرية إلى حد كبير من 3000 ق م، حتى ظهور الإمبراطورية الأكادية (2335-2154 ق م) التي وحدت الأكاديين والسومريين في بلاد ما بين النهرين تحت حكم واحد.

في نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد، ورد ذكر أربيل في السجلات التاريخية لفترة أور الثالثة باسم «أوربيلوم». دمر الملك شولجي أوربيلوم في عام حكمه الثالث والأربعين وفي عهد خليفته أمار سين دُمجت أوربيلوم في ولاية أور الثالثة. في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، ظهرت أربيل في قائمة المدن التي احتلها شمشي أدد الأول من بلاد ما بين النهرين العليا ودادوشا من إشنونة خلال حملتهم ضد أرض قبرا. نصب شمشي أدد حاميات في جميع مدن أرض أربيل.  خلال الألفية الثانية قبل الميلاد، دُمجت أربيل في آشور. كانت أربيل بمثابة نقطة انطلاق للحملات العسكرية باتجاه الشرق.

بعد نهاية الإمبراطورية الآشورية سيطر الميديون على أربيل أولاً ثم تم دمجها في الإمبراطورية الأخمينية قبل أن تصبح جزءًا من إمبراطورية الإسكندر الأكبر بعد معركة غوغميلا التي دارت بالقرب من أربيل عام 331 قبل الميلاد. في وقت لاحق، بعد تقسيم الإسكندر الأكبر من قبل جنرالاته (المعروف باسم ديادوتشوي)، سميت المدينة بأرابيلا أو أربيلا وكانت جزءًا من مملكة الهلنستية السلوقية.  قاتلت الإمبراطورية الرومانية والفرثية للسيطرة على أربيل، أو أربيرا كما كانت تُعرف في تلك الفترة. أصبحت أربيلا مركزًا مسيحيًا مهمًا. خلال الفترة الساسانية، كانت أربيل مقر المرزبان (المحافظ). في عام 340 بعد الميلاد تعرض المسيحيون في أربيل للاضطهاد وفي عام 358 استشهد المحافظ بعد أن اعتنق المسيحية. تأسست مدرسة نسطورية في أربيل من قبل مدرسة نصيبين في c. 521. خلال هذه الفترة كانت أربيل أيضًا موقعًا لمعبد النار الزرادشتية.

الإسلام

استولى المسلمون على أربيل في القرن السابع. ظلت مركزًا مسيحيًا مهمًا حتى القرن التاسع، عندما نقل أسقف أربيل مقعده إلى الموصل.  في منتصف القرن العاشر خضعت أربيل لحكم الكرد الهذبانيون حتى احتلها السلاجقة عام 1063. من النصف الأول من القرن الثاني عشر حتى عام 1233، كانت أربيل مقراً للبيغتينيون سلالة التي برزت في عهد الزنكي، وفي عام 1183 تحول حاكم أربيل زين الدين يوسف إلى جانب السلطنة الأيوبية. في عام 1190 عندما توفي زين الدين يوسف أصبح شقيقه الأكبر مظفر الدين كوكبوري الذي كان محافظًا ل الرها سابقًا الحاكم الجديد لأربيل، الذي أنشأ بلدة منخفضة حول المدينة على تل القلعة وأسس المستشفيات والمدارس.  توفي كوكبوري في عام 1233 دون وريث وانتقلت السيطرة على أربيل إلى الخليفة العباسي المستنصر بعد أن حاصر المدينة.

بعد معركة جالديران عام 1514 أصبحت أربيل تحت إمارة سوران الكردية وهي إمارة شبه مستقلة تحت حكم العثمانيين. في القرن الثامن عشر استولى إمارة بابان وهي إمارة كردية أيضًا على المدينة ولكن استعادها حاكم سوران مير محمد كور في عام 1822 واستمرت إمارة سوران في الحكم على أربيل حتى تم الاستيلاء عليها من قبل العثمانيين عام 1851 أصبحت أربيل جزءًا من ولاية الموصل في الدولة العثمانية حتى الحرب العالمية الأولى، عندما هزم العثمانيون على يد الإمبراطورية البريطانية كان عدد سكان المدينة حوالي 3200 نسمة بما في ذلك أقلية يهودية.

في قلب مدينة أربيل، في إقليم كردستان تقع تلة قديمة يبلغ ارتفاعها ما بين 25 إلى 30 مترا فوق سطح الأرض. على قمة هذه التلة تقع واحدة من أقدم المدن في العالم. والمعروفة باسم قلعة أربيل.

تبلغ مساحة هذه المدينة المحصنة 102 ألف متر مربع، وتقع في منطقة شهدت احتلالا مستمراً منذ ما لا يقل عن 5 آلاف سنة قبل الميلاد.

اللون الأصفر الرصاصي للقلعة والجدار المحصن المحيط بها يمنحها مشهدا فريداً في منطقة الشرق الأوسط.

تضم التلة المحصنة حوالي 100 منزل تقليدي تم بناؤها متجاورة فيما بعضها لتشكل جدارا محصنا يشبه إلى حد الكبير القلاع المحصنة في العصور الوسطى ويمكن الوصول إليها من خلال متاهة من الأزقة الضيقة. كما تضم التلة ثلاثة سلالم على منحدراتها الشمالية والشرقية والجنوبية، تؤدي إلى أبواب المنازل الخارجية المبنية على الحافة. في الأصل، لم يكن هناك سوى منحدر واحد هو المنحدر الجنوبي الذي يطل على بوابة ضخمة مقوسة تؤدي إلى ساحة صغيرة مفتوحة، والتي بدورها تؤدي إلى أربعة أزقة رئيسية متشعبة في كل الاتجاهات مثل أغصان الشجرة.

وقد اعترفت حكومة إقليم كردستان بأهمية القلعة التاريخية، وهي تعمل حاليا مع منظمة اليونسكو لحماية وصيانة هذه الجوهرة المعمارية. ففي عام 2007، رحل سكان القلعة لبدء أعمال البناء والترميم. وسمح لعائلة واحدة فقط مواصلة العيش في القلعة حتى لا تفقد القلعة لقبها كأقدم قلعة مأهولة بالسكان منذ 300 عام وخططت الحكومة لنقل 50 أسرة للعيش في القلعة فور الانتهاء من أعمال الصيانة.

تضم القلعة عدد من المباني العامة كان لها تأثير كبير ودور رئيسي في الحياة الاجتماعية للقاطنين في القلعة، وتشمل هذه المباني:

المساجد: تظهر السجلات التاريخية بأن هنالك العديد من المساجد التاريخية في القلعة، مثل المسجد الكبير للقلعة والمعروف باسم مسجد الملا فندي الذي ما يزال حتى يومنا قائما کمسجد الجمعة الرئيسي، وقد يكون هذا المسجد قد بني على مسجد سابق في عام 1720. بالإضافة إلى مسجد الشيخاني والمعروف باسم مسجد ملا إبراهيم الدوغرامجي المبني سنة 1920.

حمام قلعة أربيل

يقع شرق قلعة أربيل وإلى الغرب من جامع القلعة، يعود تاريخه إلى العصر العثماني ولكن لا يمكن تحديد تاريخه بشكل دقيق، إلا أنه قد تم تجديده في القرن السابع عشر الميلادي. إن التخطيط العام لهذا الحمام هو على شكل مستطيل غير منتظم الأبعاد ويتكون من جزئين رئيسيين الجزء الشمالي مستطيل الشكل ويتكون من المنزع أو المشلح وهي مخصصة لجلوس المستحمين. تشتمل على ثلاثة أحواض للاستحمام. وتطل على هذا الجزء ثمانية نوافذ صغيرة مستطيلة لإيصال الضوء إلى داخل القاعة، وتطل على هذه القاعة ثمانية عقود صماء مدببة، وتغطي القاعة قبة نصف كروية عالية نسبياً ويكتنف أعلى منتصف القبة فتحات صغيرة ويتفرع من مكان الجلوس عدد من الفروع تربط أجزاء الحمام ببعضها البعض، يقع المدخل الرئيسي في الجهة الجنوبية من المبنى، وقد قامت عائلة رشاد المفتي بإجراء إضافات عليه لذلك تغير شكله بعد الترمیم، تقع قاعة الاستقبال في الجزء الجنوبي وشكلها ثماني أضلاع أيضاً، ويوجد وسط هذه القاعة أحواض مثمنة الشكل. ويعتبر حمام القلعة أول وأقدم حمام عام في أربيل وهو مبني على الطراز العثماني.

الديواخانات: أو ما يعرف بدور الضيافة واعتادت العوائل الثرية وعوائل النبلاء في القلعة على امتلاك الديواخانات الخاصة بها في القلعة كأماكن للتجمع والتفاعل الاجتماعي والثقافي وابداء كرم الضيافة. من أشهرها دیواخانة يعقوب آغا، رشيد آغا، علي باشا الدوغرمجي، عبد الله باشا النقيب ومحمد کریم آغا.

التكيات: كان في القلعة تكايا تعمل على توفير أماكن للالتقاء وممارسة الطقوس الدينية، الأقدم منها كانت تعود إلى الشيخ شريف وأخرى كانت تعود إلى حجي ملا خضر التلعفري، كلا التكيتان كانتا تعود إلى «التكية القادرية» وكانت تمارس طقوسها يومي الإثنين والجمعة.

متاحف قلعة أربيل

يوجد داخل قلعة أربيل العديد من المراكز والمتاحف وهي: متحف المنسوجات الكردية (أربيل) ومتحف الأحجار الكریمة في قلعة أربيل ومتحف القلعة (أربيل) ومتحف الملابس الكوردیة الذي افتتح من قبل اتحاد نساء كوردستان في عام 2015 والذي یضم (نماذج مجسمة) ترتدي تصامیم مختلفة من الأزیاء الكوردیة التقلیدیة للأجزاء الاربعة من كوردستان.

ترجع المودیلات للقرنین 19 و20 المیلادي خيطت الملابس وفق النماذج الظاھرة في الصور المرفقة التي حصل عليها من كتب قديمة بل نادرة جداً. الھدف من افتتاح ھذا المتحف ھو تعریف الجیل الجدید على ھذه الأزیاء التي تتجه نحو الزوال والحفاظ على النماذج المختلفة من الأزیاء التقلیدیة الكوردیة وإحیاء التراث الكردي.

وفي القلعة يوجد بجانب هذه المتاحف معرضا للنماذج المصغرة للأزياء الكوردستانية يوجد في المعرض نماذج مصغرة تبين للزائر الأشكال المختلفة للزي في مناطق مختلفة من كردستان وطبيعة الحياة اليومية للمرأة الكردية من الرعي وصنع الخبزوالغزل والنسيج والزراعة والغناء.

تعد صناعة السجاد الیدوي من الصناعات القدیمة في إقلیم كوردستان التي كانت تنافس أشھر انواع السجاد في العالم والأنامل الساحرة التي حاكت ھذه القطع كانت أیادي قرویات كردیات اللواتي كن ینسجن السجاد باعتباره مصدر الدخل الوحید لھم. لأن الجیل الجدید لا یعرف قیمة ھذه الصناعة المحلیة ولا یوجد من یھتم بالسجاد الكردي وهي مھنة تراثیة مھددة بالاندثار جراء قلة الأیدي العاملة والتوجه المحلي نحو شراء السجاد الآلي.

ولأجل المحافظة على ھذه الحرفة ومحاولة لإحیاء فن النسیج الكردي وتطویره، قررت مدیریة مراكز السجاد الیدوي في أربیل افتتاح مركز السجاد الیدوي في قلعة أربيل عام 2014. والسجاد الموجود في ھذا المركز بمختلف قیاساته ونقوشة وألوانه صنع من الصوف والحریر ويحمل صور أھم الشخصیات السیاسیة والفنیة والشعراء والأدباء، وجودة السجاد الكردي تعود إلى نوعیة الصوف المستخدم فیه وطریقة صناعته. والسجاد یصنع في مراكز مختلفة منھا حریر، رواندز، كویسنجق، بحركة، كسنزان.  كما يوجد داخل قلعة أربیل أنتيك خانة تضم الكثير من التحف والانتيكات القديمة والنادرة.