لكل السوريين

السويداء …. الحقيقة

صالح مسلم

جبل العرب أو جبال الدروز أو السويداء مناطق في الجنوب السوري، وهي جزء من بلاد الشام تاريخياً وسوريا الحديثة بعد تأسيس الدولة السورية. إختلافها عن المكونات السورية الأخرى يكمن في الإنتماء العقائدي وعاداتها وتقاليدها الآتية من هذا الإنتماء على الأغلب. فالعقيدة الدروزية التي نمط حياة وعلاقات مجتمعية، ورغم تأثرها بكثير من التيارات التي تناوبت على مدى التاريخ إلا أنها حافظت على جوهرها. فهي عقيدة تتجذر في التاريخ إلى ما قبل ما تسمى بالديانات السماوية، التي حاولت القضاء على كل شيء دروزي ولكنها لم تفلح، أما أهل هذه العقيدة والتقاليد، وكونهم يشبهون جزيرة في وسط البحر، لم يقابلوا تلك التطاولات بالتحدي وإنما بحثوا دائماً عن سبل التوافق والوئام. فعندما حاول أهل التوراة نسبهم إلى أحد أنبيائهم سكتوا، وكذلك أهل الصليب، وكذلك المسلمون الذين حاولوا إرضاخهم بالسيف قاوموا، إلى أن تقرب منهم الفاطميون الذين شعروا بقرب عقائدهم، فتعاملوا معهم بشكل مختلف. مما أسفر عن إعتقاد الكثيرين بأن نسبهم يبدأ من الفاطميين.

الباحثون عن الأصل الدروزي والعقيدة الدروزية كانوا دائماً تحت تأثير العوامل الخارجية لأسباب ودوافع مختلفة. بينما الحقيقة هي أن العقيدة الدروزية مختلفة تماماً عما يحيط بها، وتنتمي إلى العقيدة الزرادشتية والمانوية القديمة، واستطاعت الحفاظ على خصوصياتها عبر التاريخ بفضل مناطقهم الجبلية المنيعة بما يشبه بعض المناطق الأخرى مثل شنكال والعلويين والأقليات الأخرى التي تتماثل في الجغرافيا الجبلية الوعرة في الشرق الأوسط، وتنتمي إلى نفس الحقبة التاريخية، ولديها طقوس دينية وعادادت وتقاليد متمائلة، بل ومتطابقة أحياناً إلى يومنا الراهن. وبفضل تقدم العلوم والتكنولوجيا والإتصالات بات من الممكن البحث عن الحقيقة أكثر من أي وقت مضى ويجب على أبناء الدروز القيام بذلك، فتاريخ الشعوب عندما يكتب على أيدي الآخرين ليس صادقاً.

نحن نمر في عصر الحريات والديموقراطية التي هي من حق الجميع، فإذا كان شعب يتعرض للغزو في القرن الحادي والعشرين، كما كان في عصر الفتوحات فهو عار علينا وعلى البشرية. مما يعني أننا لا نؤمن بالتنوع والعيش المشترك بين كل الإنتماءات والمكونات. وفي هذا العصر يجب أن يكون الشعب الدروزي حراً في التعبير عن إنتمائه العقائدي والأثني بشكل مطلق، وبعيداً عن أية مؤثرات أو مخاوف.

لقد حافظ الشعب الدروزي على خصوصياته إلى درجة ما عبر التاريخ العاصف، لم يعتدي على جواره مطلقاً ولكنه دافع عن وجوده دفاعاً مشروعاً في مواجهة كافة الإعتداءات التي استهدفت عقائده وخصوصياته، فقد كان هدفاً لغزوات الفتح ثم ارتكبت الدولة العثمانية عشرات المجازر بحقه وصمد أمام كل ذلك، وكان رائداً للثورة السورية عند الإستقلال يأمل الحرية والمساواة مع مكونات الشعب السوري، ولكن الحكومات التي تعاقبت على الوطن السوري استخدمتهم كأدوات للعروبية أو الشوفينية البعثية دون إحترام والإعتراف بخصوصياتهم. وعندما اندلعت الثورة السورية عام 2011 حاول البعث مرة أخرى الإستفادة منهم في قتالها للحفاظ على نظام الإستبداد في دمشق وإبعادهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة في الحرية والديموقراطية التي يناضل من أجلها الشعب السوري.

الحوادث الأخيرة التي تجري في السويداء لها أسبابها المباشرة، مثل التجنيد الإجباري الذي أصبح وسيلة للدفاع عن البعث وليس سوريا، فنحن نعلم ببطولات الشعب الدروزي المستميت دفاعاً عن سوريا الوطن، ولكنه ليس على إستعداد للقتال ضد السوريين الذين يجب أن يحلوا قضاياهم بالحوار والتفاوض وليس الحرب، وخاصة إذا كان القتال في سبيل نظام مركزي عفا عليه الزمن، وإستبدادي أوليغارشي غير عادل لا يقبل بخصوصيات وتنوع مكونات الشعب السوري.

طليعة الشعب الدروزي في السويداء طالبت بإدارة ذاتية ديموقراطية ضمن سوريا لامركزية ديموقراطية، وهذا حقهم ونرى أن هذا هو مطلب كل المكونات السورية، والدول المتقدمة في العالم وصلت إلى الاستقرار بهذه السبل والوسائل الديموقراطية، وليس بالقتال والتناحر. ولكن هذا الوضع أيضاً يتطلب تنظيم صفوف الشعب إلى أقصى درجة بما في ذلك تنظيم الدفاع المشروع عن الذات، فمن دون شك أن النظام سيحاول اللجوء إلى العنف وسيلة لإرضاخ الشعب إذا فشل في جهود فرض رغباته بوسائل المراوغة والخداع التي يمارسها مباشرة أو عن طريق حلفائه.

لقد حان لشعبنا الدروزي أن يعبر بمطلق الحرية عن خصوصياته العقائدية والأثنية دون مواربة أو خوف كما كان في العصور الغابرة، وعلى جميع السوريين أولاً وكل العالم أن يحترموا هذه الخصوصية ويعملوا على حمايتها وتنميتها بدلاً من قمعها أو العمل على إنهائها. أي أنها فرصة شعبنا الدروزي للتخلص مما عانى منه عبر التاريخ ويرسم راهنه ومستقبل أجياله بيده.