لكل السوريين

داعش والأسد وجهان لعملة واحدة

 

 عبد الكريم البليخ 

ما يثير الاشمئزاز أن المواطن السوري تحمّل، وعلى مضض، العبء الأكبر من عصابات الأسد وداعش المجرمة، وبقية ما أطلقت على أنفسها بجبهة وحزب وثورة وحركة والكثير من العصابات التي أطلت علينا بمسميات مختلفة باسم تحرير المدن السورية، وكانت وللأسف، ماهي إلّا طغمة طاغية هدفها هو سرقة المواطن والتنكيل به، أضف الى تخريب البلد والاطمئنان على دماره والرقص على أشلاء أبنائه والابتهاج بكل ذلك، وفي وضح النهار!

فالمواطن السوري لا زال يبحث عن حياة آمنة والعيش بحرية، برغم ما افتقده من أبسط مقوّمات العيش الكريم، ولكن هيهات أن يحصل عليها وينالها بعد اليوم لا سيما أنّها صارت مجرد ذكرى عابرة.

وبعيداً عن التناحر أو الطائفية التي ظهرت في الفترة الأخيرة، ولم يكن في يوم ما يدركها، أو يعرف عنها المواطن السوري ماذا تعني أصلاً، فإن هدفه الأساس العيش بكرامة بعيداً عن مكتسبات أخرى، أو الطمع في سلوك مادي ما، وإنما هو الحفاظ على الصورة التي ترسم ملامحه، وترمي إلى أن ترفع من حسّه الوطني وكرامته التي لا يمكن أن يتخلى عنها مهما كانت التضحيات، وهذا ما حصل بالفعل؟

والملاحظ، أنَّ المواطن السوري دفع به الحال “مكرهٌ أخاك لا بطل” إلى الهجرة والنزوح القسري، وتحمّل المآسي والحرمان والفقر المدقع، نتيجة ما يحصل يومياً، وإلى الآن!!.

ماعاناه الشعب السوري، في مختلف المدن والقرى، وفي كل مكان، قلب الكثير من الموازين؟!. والسؤال هو: ما هو ذنب الناس العاديين العزّل الذين لا حول لهم ولا قوّة، الذين قضوا ويقضون يومياً بدون ذنب، فقط لأنهم ظلّوا متشبّثين بوطنهم. بمدنهم وقراهم. في منازلهم. أين المفر؟!.

وما القتل الممنهج، الذي عاناه المواطن السوري، وعلى مدى السنوات الماضية، والدمار والفقر والحاجة، والتشريد الذي عاشه، أليس عصابات الأسد المجرمة هي من قامت به وافتعلته؟.

وما التخريب والدمار الهائل الذي عنونته البراميل المتفجّرة، وقذائف الهاون والمدفعية والصواريخ وراجماتها، أليس عصابات الأسد، التي أذلت المواطن وأدهشته في طرق القتل وفنونه الذي تعرّض له؟

وهل يملك المواطن العادي كل هذه الأسلحة الفتّاكة المدمرة التي أتت على كل شيء، ودمرت كل ما هو جميل في حياة أهلنا؟.

فالأسد دمّر بلداً، والخراب شمل رقعةً واسعةً من سوريا.. ومات من مات، وشرّد من شرّد، ولا زال هناك من يُفاخر بالأسد وبالعصابة التي خرّبت كل شيء في حياة المواطن السوري الأعزل الطيّب البسيط!.

ولا ننسى في هذا المقام، المرتزقة الكثر الذين وقفوا إلى جانب المجرم بشار الأسد، ولم يدّخروا جهداً في تقديم المساعدة له، وهاهم اليوم يقتلون واحداً تلو الآخر.

وسقوط قتلى حزب الله في أرض سورية، الحرّة، التي سبق يوماً وأن احتضنهم الشعب السوري، واحتفى بهم، ألا يُعد هذا إجحافاً بحقّهم!.

المشكلة أكبر مما نتصور. فالخراب والدمار وتشريد ونزوح وتهجير الملايين من السوريين اليوم، بات يعرفه العالم المتحضّر، وحتى الناس السذّج.

وهل عرف العالم يوماً أن قائده هو من سعى ويسعى إلى القصاص والنيل منه لمجرد أنه طالب بهامش حرية؟.

لن ندخل في قضايا أكبر من ذلك.. فالسياسة اليوم بات يعرفها المواطن العادي، وصار يهمّه حالها بعد أن كان لا يهمّه سوى التقاط رزقه والبحث عنه.

يكفي المواطن السوري جريه خلف الرغيف ومعاناته التي استمرت لسنوات طويلة، ولم تنقطع إلى اليوم، ناهيك عن مشكلة الكهرباء وانقطاعاتها المتكرّرة، وغيابها الدائم بذرائع مختلفة! وحدهم المترفين هم الذين كانوا يعيشون بعيداً عن العوز والحاجة التي عانى منها المواطن السوري طوال الفترة المبعدة في ظل نظامٍ فاسد! وحدهم المرتزقة، من غير السوريين، الذين عاشوا حياة فيها الكثير من الرفاه، وانعكس ذلك بقتلهم والخلاص منهم، وهذا ما عكس حقيقة نظام متجذّر بالإجرام والوحشية، وفاقداً للشرعية!

فعصابات داعش والأسد وجهان لعملة واحدة. كل يحاول الإبقاء بالمواطن السوري الذي ترك أخيراً كل ما بحوزته، والفرار، إن استطاع، من براثن هؤلاء المجرمين وغيرهم ممن تكالبوا على سوريا، ما دفع بهم إلى الهروب مجبرين، ومنهم من تمكن من طرق باب الهجرة باحثاً عن مَنْفَذ، مفضلاً الموت غرقاً في البحر عن وقوعه في حبال عصابات داعش المجرمة التي لاهدف لها سوى إذلالهم، بذرائع مختلفة، واستصدار القرارات المجحفة بحقهم، وتجريمهم باسم الدين، وقتلهم بطرق بشعة وترهيبهم، والاستيلاء على منازلهم والعبث بها، وفرض الكثير من الاشتراطات التعجيزية رغم العوز الذي يعيشون.

والحال كذلك بالنسبة إلى عصابات الأسد التي انتزع عنها الغطاء الحقيقي الذي كانت تكسو به جريرتها بقصف المدنيين العزّل الأبرياء الذين كانوا ضحية حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وجريرتهم أنهم يعيشون على أرض ولدوا فيها وعاشوا.

الولاء لهذه العصابة أو تلك، لا فرق فيما بينهما فهما يسعيان إلى القتل والتشريد وسرقة الناس وتهجيرهم، بدليل الحال الذي وصل إليه حال السوريين الذين صاروا مشرّدين في أرض الله الواسعة، والمستفيد الوحيد تجّار الأزّمة، وقتلة الحرب الذين جرّوا بذيولها وألبسوها المواطن السوري البريء.

المواطن الذي لم يعرفُ الغل أو الظلم طريقاً إلى قلبه يوماً. فقد صدّروا لنا الإرهاب بأشكاله، والمتمثّل بنجوم المسرح الروسي والإيراني والأفغاني والعراقي، ومن والاهم. إنّهم ثلة مجرمة أوقعت المواطن السوري في براثنهم، يقتلون ويشردون بجريرة الإرهاب، وهم الإرهابيون الحقيقيون الذي قتلوا الناس، ودمّروا منازلهم فأصبحوا هائمين على وجوههم متعثّرين باللجوء إلى بلادٍ غريبة لم يعد بمقدور أغلبهم اليوم من الوصول إليها بسبب تضييق الخناق عليهم، ومنعهم من السفر بذرائع مختلفة.

إن أعضاء التنظيم هم مجموعة من الموتورين والإرهابيين الذين لا علاقة لهم بأي دين، بل إنهم مجرمون، وما قاموا به هي فرصة متاحة بالنسبة لهم لممارسة الفسق والبغاء باختطاف النساء واغتصابهن، ولم يسلم من أذاهم حتى الأطفال الصغار، أو الشيخ الطاعن في السن، وحتى المرأة، وكذلك المواطن الساذج.

فــ “داعش” ليس لغزاً. ومن يتابع إصداراته يكتشف بعض الأسرار. ففي إحدى التسجيلات، يقوم أعضاء التنظيم بنحر رفيق لهم من روسيا، والسبب أنّه كان حلقة وصل للاستخبارات الروسية، وتسبب في إحباط عمليات للتنظيم هناك. وفي المقابل، من يقرأ اعترافات بعض الهاربين منهم، يجد أن نظام بشار الأسد و”داعش” ونظام طهران يعملون سوياً في ساحة واحدة، فأكثر من اعتراف لدواعش سابقين أقرّوا فيه أن التنسيق مباشر، بل إن قوافلهم تمرّ من نقاط تفتيش تابعة لنظام الأسد دون أن تمس بأذى، وهكذا دواليك!!؟.

وكنت شاهدت مقطع فيديو قصير، يُظهِر فيه مدى المعاناة والحزن والشؤم المرسوم على وجوه أهلنا في إحدى المدن السورية، في ظل حكم عصابة “داعش” المجرمة، ومعاملتها السيئة، التي لم يَخلصُ منها أحد.

هذه العصابة التي حولت حياتهم البسيطة إلى ألوان من الأسى، ودليل ذلك ما هو مرسوم على وجوه هؤلاء الرجال التي تزينها اللحى الكثّة، التي فرضت عليهم، وبقوّة السلاح، وهذا ما يجعلهم يعانون مرارة الحياة التي سبق أن عاشوها لفترة مبعدة.

وبرأيي الشخصي، أنَّ الحياة بعمومها، والتنزّه عن المعاصي والسير في خطى تتماشى مع الدين الحنيف، وتعاليمه السمحة، كل هذا فإنه غير مرتبط بإطالة اللحية من عدمه، وإنما بالتعامل الحسن، والعشرة الطيبة.. وهذا هو السرّ الحقيقي في إحياء العلاقة الوجدانية الطيبة مع الناس، عموم الناس.

أرادت داعش بجبروتها وبسيفها البتّار أن تقوّض حياة الناس، وتفرض سيطرتها وهيمنتها على عباد الله البسطاء، وبقوة الإفتاء الجائر، وجرائمها التي حصدت الكثير من الأبرياء بدل من أن يكون لوجودها، كما يقول الأعراب “حضور حسن”، ويساعد الناس على تأمين لقمة العيش الكريم بدلاً من إذلالهم وسفك دمائهم على أتفه سبب كان، وهذا ما جعل الناس، يقفون أمام هذا التنظيم موقف الكاره، وينعتونه بالكلمات النابية، ويرمونهم بالحجارة، وبما يُتاح لهم ـ إن استطاعوا ـ ليتخلصوا منهم نتيجة تعاملهم الصلف للمواطن، وتصيدهم أخطاؤه، لمجرد الخطأ.

 

صحافي سوري