لكل السوريين

التعليم في دمشق وريفها.. أزمة متفاقمة تحت ضغط الانهيار الاقتصادي

دمشق/ مرجانة إسماعيل

يشهد قطاع التعليم في دمشق وريفها تدهوراً مستمراً، مدفوعاً بتداعيات الأزمة الاقتصادية والانهيار المتسارع في سعر صرف الليرة السورية، ما انعكس بشكل مباشر على الحياة المعيشية للأسر السورية، ودفع بالكثير من العائلات إلى اتخاذ قرارات مؤلمة، أبرزها إخراج أبنائهم من المدارس وإرسالهم إلى سوق العمل في سن مبكرة، بهدف المساعدة في كسب القوت اليومي.

ورغم أن التقارير الإحصائية للمنظمات المعنية بقطاع التعليم في سوريا كانت تشير في عام 2010 إلى تحسن ملحوظ في عدد المدارس واقترابه من المعدلات العالمية النموذجية، حيث بلغ عدد المدارس حينها نحو 22 ألفاً و200 مدرسة، فإن هذا الواقع تغيّر جذرياً خلال السنوات التي تلت الحرب، خاصة في العاصمة وريفها، التي تعاني اليوم من تحديات كبيرة تهدد مستقبل الأجيال.

ويعاني النظام التربوي الحكومي من أزمات بنيوية حادة، أبرزها النقص في الإمكانيات الأساسية، وغياب الأدوات التعليمية الحديثة، ما ينعكس سلباً على جودة التعليم المقدمة للطلاب. كما يشكّل الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية تحدياً متزايداً، حيث يتجاوز عدد الطلاب القدرة الاستيعابية في كثير من المدارس، ما يرهق المعلمين ويحدّ من فاعلية العملية التعليمية.

من جهة أخرى، يشكو المعلمون من غياب الاستقرار الوظيفي، وضعف الرواتب، وعدم توفر فرص التوظيف الرسمي، وهو ما أدى إلى تصاعد حالة الإحباط بين أوساط الكوادر التربوية، وانعكس في كثير من الحالات على الأداء المهني داخل المدارس، ليكشف عن اختلالات جوهرية في النظام التربوي.

ويعد هذا التدهور تهديداً مباشراً لجودة التعليم، الذي يُفترض أن يكون الركيزة الأساسية في بناء المجتمع، ويضاعف من التحديات التي تواجه الأجيال الجديدة، وسط ظروف إنسانية واقتصادية صعبة، تعجز السلطة حتى اللحظة عن احتوائها أو توفير الحد الأدنى من الحلول لها.

وبحسب دراسة صادرة عن مركز “حرمون”، فإن نحو 40% من المدارس في عموم سوريا تعرّضت لأضرار متفاوتة، فيما خرجت أكثر من ألف مدرسة في الشمال السوري عن الخدمة بشكل كامل أو جزئي، ما زاد من تعقيد المشهد التربوي في البلاد.

وتدهورت المرافق والخدمات الأساسية المرتبطة بالمدارس، وفقدت العديد من المنشآت التعليمية صلاحيتها التربوية والإنشائية، ما أدى إلى خروج نسبة كبيرة منها عن الخدمة. ويعيش أكثر من ثلث الأطفال السوريين حالياً خارج المنظومة التعليمية، فيما يواجه نحو 1.3 مليون طفل خطر التسرب من المدارس، في ظل تراجع الدعم والقدرات الحكومية.

وأظهرت التقارير ذاتها تراجعاً واضحاً في أعداد الطلاب في مختلف المراحل الدراسية، وارتفاعاً في نسب الانقطاع، خاصة بين الفئات العمرية الصغيرة والمتوسطة. وانخفض عدد طلاب التعليم الأساسي من 4.8 ملايين طالب عام 2012 إلى أقل من 3 ملايين عام 2013، ما يمثل تراجعاً بنسبة 38% خلال عام واحد فقط.

ورغم تسجيل تحسّن جزئي في أعداد الطلاب بين عامي 2015 و2018، إلا أن الوضع عاد إلى التدهور مجدداً عام 2019، حيث سجلت خسارة إضافية بلغت 13% من عدد الطلاب، ما يعكس استمرار النزيف الحاد في القطاع التعليمي.

كما فقدت وزارة التربية التابعة لسلطة دمشق، وفق الدراسة، نحو 18% من كوادرها بين عامي 2011 و2019، إذ انخفض عدد العاملين في الوزارة من 380 ألفاً إلى 313 ألفاً، ما أدى إلى نقص حاد في معلمي المواد الأساسية، وزاد من حالات تغيير المعلمين خلال العام الدراسي الواحد، وهو ما انعكس سلباً على الاستقرار التربوي وقدرة الوزارة على تعويض الكوادر المؤهلة.

وتراجعت مخصصات وزارة التربية بشكل كبير، إذ انخفضت من نحو 2 مليار دولار عام 2010 إلى 1.1 مليار دولار في السنوات التالية، بنسبة انخفاض بلغت 45%. ورغم تسجيل زيادات اسمية لاحقة في الموازنات، إلا أن قيمتها الحقيقية تراجعت بشدة بفعل التضخم وانهيار سعر الصرف، ما أدى إلى نقص في الكتب المدرسية، وتدهور في المقاعد الدراسية، وغياب التدفئة داخل الفصول، وهو ما أجبر الأسر على تغطية جزء كبير من النفقات التعليمية من مواردها الخاصة.

كما انهارت نسب الالتحاق بالتعليم الثانوي، حيث تراجعت من 30% قبل الحرب إلى أقل من النصف، فيما بلغت نسب التسرب أكثر من 45%. ففي إدلب وحدها، سجّلت الإحصاءات لعام 2011 تسجيل أكثر من 7 آلاف طالب في المرحلة الثانوية، لكن لم يداوم منهم فعلياً سوى أقل من 3 آلاف طالب.

وبهدف تعويض النقص الحاد في الكوادر، لجأت الوزارة إلى الاعتماد على معلمين غير مؤهلين، وانتشرت ظاهرة “المعلم الوكيل”، حيث تقلص عدد خريجي المعاهد التربوية المتوسطة من 136 ألفاً عام 2011 إلى 90 ألفاً عام 2019. وأظهرت الدراسات المحلية غياب “تمهين التعليم”، إذ اقتصر اختيار المعلمين غالباً على حيازة الشهادة فقط، دون مراعاة المهارات المهنية أو التقنية.

ومن الناحية المادية، انهارت رواتب المعلمين بشكل كبير، إذ انخفض متوسط راتب المعلم في مناطق سيطرة النظام من 300 دولار شهرياً عام 2011 إلى نحو 20 دولاراً عام 2021، قبل أن يسجل لاحقاً ارتفاعاً طفيفاً ليصل إلى ما يعادل 30 دولاراً شهرياً فقط. أما رواتب المعلمين في المدارس الخاصة، فلم تتجاوز في معظمها 50 دولاراً شهرياً، ما دفع العديد منهم إلى الاعتماد على الدروس الخصوصية كمصدر دخل رئيسي لتأمين الحد الأدنى من المعيشة.

وتُظهر هذه الأرقام والتفاصيل مدى عمق الأزمة التعليمية في دمشق وريفها، والتي باتت تمثل تحدياً حقيقياً أمام مستقبل البلاد، وسط غياب أفق واضح للإصلاح أو توفير الحد الأدنى من الدعم المطلوب لإنقاذ جيل كامل من الضياع.