لكل السوريين

السياسة الإيرانية في مفترق طرق… بين العزلة والإخفاقات داخلياً وخارجياً

الحسكة/ مجد محمد

يُشكّل المرشد الأعلى أو ما يُعرف بـ”الولي الفقيه” رأس الهرم في النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفقاً لما ينص عليه الدستور الإيراني، حيث يُمنح صلاحيات إشرافية عليا على السلطات الثلاث في البلاد. وفي حين يتولى مجلس الشورى الإسلامي مسؤولية سن القوانين والتشريعات، تُناط برئاسة الجمهورية مهمة تنفيذ تلك القوانين. وتعدّ هذه التركيبة السياسية فريدة من نوعها على مستوى العالم، حيث تصدر القرارات الكبرى والصغرى من فكر الولي الفقيه، الذي يستمد “بصيرته وحكمته” من لقاءاته المستمرة بالإمام الغائب، وفقاً للمعتقد الشيعي الإثني عشري الذي تتبناه الدولة الإيرانية.

وفي حديث خاص لصحيفة “السوري” حول السياسة الإيرانية وما آلت إليه في الآونة الأخيرة، قال الحقوقي مالك العلي: “مع وصول الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في إيران عام ١٩٧٩، اتبعت الدولة الأيديولوجية الإسلامية بموجب دستور جديد كُتب في نفس العام، ثم تم تعديله عام ١٩٨٩، وحدد ملامح النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للجمهورية الإسلامية، معلناً أن الإسلام هو الدين الرسمي، وأن المذهب الشيعي الإثني عشري هو المذهب الرسمي للدولة”.

وأضاف العلي: “لعب الدين دوراً محورياً في صياغة القرار السياسي وتوجيه السياسات الداخلية والخارجية، كما مُنح الحرس الثوري الإيراني، وقوات الباسيج، وأنصار حزب الله، دورا رئيسيا في إحكام السيطرة على البلاد. هذه الجهات قامت بقمع أحزاب المعارضة، والتنكيل بها، وزجّ أفرادها في غياهب السجون، كما تدخلت في شتى نواحي الحياة، من حقوق المواطنة إلى حرية الإعلام والتعبير. بل ومنعت الناس من التحدث بلغاتهم الأصلية، ومن ممارسة طقوسهم القومية”.

وتابع العلي: “حاربت الحكومة الإيرانية كل مظاهر الحياة الخاصة بالقوميات الأخرى، وضيّقت عليهم في حياتهم اليومية، حتى وصلت تدخلاتها إلى لباسهم، الذي فُرض أن يكون وفق قوالب إسلامية معينة. الإعدامات كانت وما تزال مستمرة، وتم قمع المظاهرات السلمية بالقوة والحديد والنار. وتبقى حادثة مقتل الشابة (مهسا/جينا أميني) واحدة من أبرز الأمثلة على الاضطهاد والتمييز، إلى جانب تفشي الفقر والحرمان وضيق العيش والعزلة، ما يعكس جوهر السياسة الداخلية التي حكمت بها إيران البلاد بقبضة أمنية مشددة”.

وفيما يخص السياسة الخارجية الإيرانية، أشار العلي إلى أن إيران تتمتع بموقع استراتيجي هام في منطقة الشرق الأوسط وآسيا، ما يمنحها أهمية إقليمية ودولية كبرى. إلا أن بوصلة السياسة الخارجية انحرفت وتراجعت وانحسرت في الوقت الراهن. ويعزو العلي هذا التراجع إلى عوامل عديدة، داخلية وخارجية، إقليمية ودولية، اقتصادية وعسكرية. ولفت إلى أن إيران، في محاولة لتعزيز موقعها العالمي، عملت على بناء مفاعلات نووية بغرض التوصل إلى إنتاج القنبلة النووية، ما أثار قلقا لدى دول الخليج، وإسرائيل، والولايات المتحدة، وأوروبا.

وأكد أن “إيران استنزفت طاقاتها الاقتصادية في الداخل عبر مشاريعها النووية، على حساب رفاهية الشعب الإيراني، وفي الخارج عبر إنشاء ودعم أذرع عسكرية في فلسطين وسوريا ولبنان واليمن. وقد أغدقت الأموال على هذه الجهات لتقويض أعدائها، في وقتٍ كانت تعاني فيه من تدهور معيشي كبير على المستوى المحلي. كما أن إيران فشلت في بناء علاقات استراتيجية طويلة الأمد مع القوى الدولية الكبرى، إذ اقتصرت علاقاتها على شراكات اقتصادية ومرحلية”.

وأردف العلي قائلاً: “من أبرز أسباب فشل السياسة الإيرانية أيضاً تدخلها في شؤون الدول الإقليمية عبر أنشطة وصفها بـ’الخبيثة’، ما أثار استياء الدول المجاورة، إلى جانب عدائها المعلن لإسرائيل، وتهديداتها المستمرة بمحوها من الخارطة، تحت شعارات دينية، الأمر الذي دفع إسرائيل وأمريكا والدول الأوروبية إلى اتخاذ مواقف عدائية صارمة تجاه إيران”.

وأوضح العلي أن “كل هذه الممارسات تراكمت وتكدّست وانفجرت، لتنعكس بشكل مباشر على إيران، وكان أول إخفاقاتها ما وصفه بـ’الفشل الذريع’ في دعم عملية “طوفان الأقصى”. كما تم القضاء على حزب الله، الذي يُعد الذراع الأقوى لها في المنطقة، إلى جانب خسارتها لترسانتها العسكرية وصفوة قادتها، مما أدى إلى عودة السيادة اللبنانية، وفقاً لتعبيره”.

وأضاف: “أما الإخفاق الثالث، فهو هزيمتها في سوريا، حيث تبخرت ميليشياتها، وتلاشت مشاريعها، وعلى رأسها مشروع الهلال الشيعي، وسقط بشار الأسد بشكل مفاجئ. أما الإخفاق الرابع والأخير، فتمثل في الضربات القاصمة التي شلّت حركة الحوثيين وقلّصت نفوذهم، لتنتهي بذلك محطات الفشل الإيراني في الداخل والخارج”.

واختتم الحقوقي مالك العلي حديثه قائلاً: “اليوم تقف إيران وحيدة، معزولة، لا همّ لها سوى مركزيتها ومشروعها النووي. لكن يبدو أنها لن تفلت من العقاب. لقد وصلت إلى مرحلة اللاعودة، ولم يعد أمامها هامش للمناورة أو التفاوض بشأن ملفها النووي. لقد ضحّت بالغالي والنفيس، وهي الآن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما البقاء أو الزوال. وفي المقابل، باتت إسرائيل على قناعة تامة أن هذه المرحلة بالنسبة لها هي أيضا مرحلة وجود أو لا وجود، ومن ورائها تقف أمريكا والدول الأوروبية بنفس القناعة”.

وبذلك، تبدو السياسة الإيرانية، داخلياً وخارجياً، أمام واقع جديد شديد التعقيد، تُحدده تداعيات العقود الماضية من الحكم، وتشكله صراعات مستمرة في منطقة لا تعرف الاستقرار.

- Advertisement -

- Advertisement -