لكل السوريين

نحو ثقافة وطنية مؤطر بأطر إنسانية

اليوم وقبل أي وقت مضى نسعى نحو ثقافة وطنية مؤطرة بأطر العقل الفاعل، مما يعني أن نسعى إلى بناء نموذج ثقافي وطني يتضمن القضاء وبشكل نهائي على الأمية ويرفع من مستوى التعليم والاستفادة من منجزات الآخر، ويساهم في إنتاج خطاباً ذو دلالات عصرية وعقلانية يؤمن بالحوار والتعددية وينبذ التعصب والانغلاق وعدم الاعتراف بالآخر.

تعتبر الثقافة انعكاساً للرقي الحضاري الذي تعيشه الأوطان، ولا شك أنه توجد علاقة وثيقة بين مستوى التقدم الذي يعيشه وطناً ما ونتاجه الفكري والثقافي، ومدى مساهمة هذا النتاج في مسيرة التطور الاجتماعي غير أن الثقافة عندما تكون ذات اتجاه واحد ولا تحيد عن إطارها المبين لها منذ حقب، تظل عاجزة عن المساهمة في رقي وتطوره، بسبب أنها أي الثقافة في مثل هذه الحالة تكرس الشعور بالعجز والإحباط وعدم القدرة على القيام بالمسؤولية الوطنية، كما أنها تضخم الذات وهذه صفة الثقافة المغلقة على ذاتها، التي لا يمكنها الاستيعاب والتجاوب مع الثقافات الإنسانية المعاصرة لها.

لذلك فالتنوع الثقافي يشكل قوة محركة للتنمية، ليس على مستوى النمو الاقتصادي فحسب بل كوسيلة لعيش حياة فكرية وعاطفية ومعنوية وروحية أكثر اكتمالاً ونضوجاً.

وبالعودة إلى تعريف مفهوم الثقافة، خرج  الدارسون بالقول أنها الإطار الذي أنتجه الإنسان بناءً على فهمه واستيعابه لعقيدته وتراثه  الإنساني وتفاعلاته الاجتماعية والطبيعية في كل مرحلة تاريخية أكان ذلك على المستوى الفردي أو الجماعي، ويشمل هذا الإطار أبعاداً وعناصر روحية وأدبية ومعرفية وأدوات فنية وقيماً ومعايير للسلوك وطرائق للحياة وصور الإبداع على مختلف أنواعها.

ومن الصعب الحديث عن إعمار وعي ثقافي دون أن نطرح جملة من التساؤلات تعكس حجم المعضلة التي تعاني منها ثقافتنا الوطنية التي افرزت أموراً كثيرة منها الانغلاق الفكري والتطرف والإرهاب، ومثل هذه الأمور يؤكد الخلل الفكري والثقافي الذي يعمل على استلاب طاقاتنا الامر الذي يستدعي مواجهته من خلال إعمار الوعي المجتمعي وبناء روح التجديد.

ويرى بعض الدارسين أن حدوث أزمات وصدمات ثقافية، كما حدث في بلادنا بعد مرحلة داعش السوداء، تعرض المجتمعات إلى العديد من التحولات الفكرية والسياسية والاجتماعية، وبالتالي تقبل أفكار ومفاهيم ثقافية جديدة لمواجهة مثل هذه الصعوبات. إن إعمار الوعي وطرح مضامين ثقافية جديدة هو المرتكز الأساس لكسب معركة التحديث من أجل خوض تجربة الدخول إلى عالم ثقافي جديد.

إن مثل هذا النموذج الثقافي يحتم على الجميع دخول طور جديد من الفهم والعمل المشترك يسمح من مواقع الجميع الوطنية المتعددة تجميع الطاقات وبلورة الاتجاهات وتوظيف الإمكانات في اطر استراتيجية محددة بأفق الأهداف والغايات العليا.. وعليه يجب أن يكون الوطن وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة، فهل نحن فاعلون؟!.