لكل السوريين

الحل في الحوار

يكتسي الحوار أهمية كبيرة في حياة المجتمعات والدول فهو يساعد في تعميق الفكر الجمعي وتوسيع قواعد وأسس التواصل الفكري والمعرفي من خلال اطلاع المتحاورين على كل ما هو جديد من أفكار ورؤى، والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة، وبذلك ينمو العقل وتتوسع مداركه نتيجة الاطلاع المتجدد والمتكرر على أفكار الآخرين والاستماع إلى وجهات نظرهم المختلفة، كما أن اعتماد الحوار أسلوبا في التواصل مع الآخر يؤدي إلى جعل الفكر أكثر مرونة، فاستمرار الخلافات بين الأفراد يؤدي إلى انقطاع سبل التواصل بين الأفراد وحدوث هوة بينهم تمنع التواصل، كما أنها ستؤدي بالأشخاص إلى تبني أفكار هدامة وضارة يستحيل معها أي شكل من أشكال التواصل واللقاء.

فالحوار يعد أفضل وسيلة لتوعية وتثقيف الفرد وتعزيز مشاركته الفاعلة بالأفكار والمعارف، لأن الفرد بمفرده ومهما أوتي من ملكات وقدرات عقلية لا يمكنه امتلاك كل أدوات ووسائل المعرفة، لأنه يمتلك جزءا منها في حين أنه يكتسب الجزء الآخر من الآخرين.

فالحوار أداة فاعلة في محاربة وتحييد الفكر الخاطئ والمظلل وإحلال أفكار صحيحة وتنويرية محلها، فمن أجل بناء مجتمع صحيح ومعافى علينا أن نتبنى الحوار أسلوبا ومنهجا للتواصل والتعامل مع الآخرين، وأن نبدأ بأصغر خلية في المجتمع ألا وهي الأسرة، فبناء الأسرة على أسس صحيحة وسليمة سيؤدي حتما إلى إنشاء مجتمع صحيح وسليم وقوي لأن المجتمع بالمحصلة هو مجموع أسره.

فالحوار أداة هامة في بناء الأسرة الفاعلة والايجابية في المجتمع، وفي هذه الأسرة سينشأ الطفل في صغره وسيتعلم منها لغة الحوار والتفاهم والتواصل الهادئ، وبذلك نضمن إنجاز الوحدة النموذجية الأولى في التربية، ومن خلال هذه التربية النموذجية سيتعلم الفرد ويكتسب الكثير من والمفاهيم والأخلاق والقيم التي سترافقه طيلة حياته، وستكون حاسمة في تكوين شخصيته.

وهذه السمات والقيم التي يتحلى بها مرتكزها الأساس هو الحوار والفكر الجمعي الذي تبرز فيه الأنا الجمعية، وتضمحل وتختفي رويدا رويدا الأنا الفردية، وفيما بعد سيأتي دور المؤسسات في تعزيز شخصية الانسان الذي انتقل من الوحدة الأولى الأسرة إلى الوحدة الثانية المؤسسات التربوية والمجتمعية، التي ينبغي أن تعزز فيه تلك القيم والأخلاق وترسخ لديه مفاهيم الحوار ومرتكزاته الأساسية القائمة على التسامح وقبول الآخر.

ولما كان الطفل يحب الاقتداء بمن يكبره وهذا صحيح، ففي البدء يكون الوالدان هم القدوة وهنا تقع مسؤولية كبيرة على الوالدان بأن يكونا متصالحين مع أنفسهما، لأنه من غير المقبول أن يعلما ابناؤهما ثقافة الحوار، وبالمقابل يسلكان سلوكا مغايرا، فهذا سيحدث صدمة لدى الأبناء وربما ردة فعل سيكون لها آثار مستقبلية غير محمودة وفي المرحلة التالية، دور المعلمين الذين هم المثل الأعلى لطلابهم، وعليهم أن يكونوا قدوة لهم بكل ماتعنيه الكلمة من تمثل للقيم والأخلاق التي يؤمنوا بها ويسعون لترسيخها في عقول وأذهان طلابهم.

وفي أعلى مرحلة من مراحل الحوار المجتمعي يأتي دور الحكومات والساسة في ترسيخ ونجذير لغة الحوار في المجتمع لأنهم المعنيون بتوطيد قواعد الدولة وأنظمتها وقوانينها وتشريعاتها.

لهذا يجب عليهم أن يتحلوا بدرجة عالية من القدرة على استيعاب الآخرين ونقبل النقد والمعارضة والجدية في القيام بإصلاح الأخطاء وتصويب المسار من خلال إفساح  المجال واسعا لتعميم روح الحوار القائم على الاستماع للرأي الآخر وبكل مسؤولية مع توفير الاحترام الكامل لكل من يخالفه بالرأي.

أما الأعلام فله أهمية قصوى حيث ينبغي ان يبقى الأعلام المرآة الصادقة التي تعكس كل مايجري في المجتمع، وبمهنية عالية وحيادية، وأن يكون دوره ايجابيا لأن الاعلام من أهم وسائل تشكيل الوعي العام وتوجيهه باتجاه التمسك بالحوار وقبول الرأي الأخر أيا كان هذا الآخر، لأن ذلك هو سر نجاح  الشعوب والدول  وتقدمها في مسيرة  ْبناءها  الحضاري.