لكل السوريين

حين ينقلب السحر على الساحر

مما لاشك فيه أن إيران اليوم تعيش أسوأ مرحلة في تاريخ ثورة الملالي التي أطاحت بحكم الشاه فيما يعرف بالثورة الاسلامية في إيران في العام 1979، والسبب الرئيسي لهذه الأزمة هو القراءة الخاطئة للواقع السياسي في منطقة الشرق الأوسط من قبل حكام إيران المتشددين بعد أن تجاهلوا الأهمية الجيوسياسية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للدول الكبرى، التي تتقاسم فيما بينها مناطق النفوذ على مستوى الكرة الأرضية برمتها.

وأن تلك الامتيازات والتسهيلات التي حصلت عليها إيران عقب إسقاط نظام صدام حسين في العراق ليست في الواقع غرين كارت لها يخولها التحرك السياسي، والتمدد في المنطقة دون أية ضوابط أو محددات، وإنما كان في الواقع دورا مرحليا انتهى حاليا وعلى إيران أن تعيد ترتيب أوراقها وأولوياتها في المنطقة وفق ذلك، وإلا فإن أي مخالفة لذلك سيحتم عليها أن تتحمل تبعاته التي هي بغنى عنه، فكل الدلائل والمؤشرات تشير إلى أن البطاقة الحمراء قد تم رفعها في وجه اللاعب الإيراني، وعليه أن يخرج من الملعب بإرادته قبل أن يتم إخراجه عنوة.

وهذا الأمر نتاج إجماع كل الدول الكبيرة والفاعلة في المنطقة وقد شرعوا بإرسال رسائل مباشرة للاعب الإيراني من خلال جملة مواقف واضحة وصريحة ففي موضوع الملف اليمني هناك قرار للتحالف العربي المدعوم دوليا بزيادة الضغط العسكري على ميليشيا الحوثي، لإجباره، وبالتالي إجبار إيران للرضوخ والدخول في المفاوضات التي لن تكون نتائجها قطعا لصالح المشروع الايراني بعد سلسلة الهزائم العسكرية الكبيرة التي منيت بها هناك.

أما في لبنان فهناك موقف دولي بدأ يتبلور سيفضي حتما إلى تقليم أظافر حزب الله في المرحلة الأولى، ومن ثم إعادة صياغة الخارطة السياسية اللبنانية بعد أن ضاق العالم ذرعا بالهيمنة الايرانية والتحكم بالقرار السياسي اللبناني من قبل أداتها المباشرة المتمثلة بحزب الله.

أما على الساحة العراقية فهي تعيش حالة مخاض حقيقي بعد أن أدرك العراقيين الشيعة قبل السنة أن المشروع الايراني لا يمكنه أن يتقاطع مع المصلحة الوطنية والقومية العراقية، لأنه مشروع توسعي صفوي بامتياز.

أما الساحة الهامة الرئيسية بالنسبة لإيران هي الساحة السورية التي ينشط ويهيمن عليها لاعبان رئيسيان هما اللاعب الأمريكي الحريص على شطب الوجود الايراني من المنطقة، لأن هذا الوجود بات يهدد أمن إسرائيل التي يعتبر أمنها جزء لا يتجزأ من الأمن القومي الأمريكي، إضافة إلى تهديد أمن حلفاء أمريكا في المنطقة عموما والخليج خصوصا، وما يمثله من أهمية استراتيجية لكل دول العالم الحريصة على استمرار تدفق النفط إلى أسواقها، دون أية تهديدات جدية تعيق ذلك، واللاعب الآخر الذي بات يرى في الوجود الايراني تهديدا ومنافسا ضارا لمصالحه وهو اللاعب الروسي الذي اتخذ قراره النهائي بإنهاء الوجود الايراني من خلال التنسيق المباشر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وغض الطرف بل وتسهيل الهجمات الجوية والصاروخية على كل المواقع التي تتواجد فيها الميليشيات التابعة لإيران لتقليص دورها وإجبارها على الخروج من الملعب السوري، بعد أن بدأت تتبلور شيئا فشيئا ملامح الحل السياسي للأزمة السورية والمستند على مبادئ الشرعية الدولية والمتمثلة بالقرار2254.

وقد بدأت الكثير من الأطراف الدولية قبل فترة سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع الأطراف الدولية والسورية لصياغة ذلك الحل، فهل يا ترى تدرك إيران هذه الحقيقة التي ستكون مؤلمة بالنسبة لها وعلى كافة الصعد والمستويات قبل فوات الأوان.