لكل السوريين

الطبيعة تعاقب قاتلها

لطفي توفيق

علاقة الطبيعة بالإنسان..

كعلاقة الأم بأطفالها..

والأم.. إن أمكن تعريفها..

عطاء لا يتوقف..

رغم ما يمكن أن تلقاه من نكران وجحود..

رضاها.. يشعر أولادها بغبطة.. لا يدركون سببها

وسكينة في الروح يسهل الشعور بها..

ويصعب تفسيرها.

وغضبها يسلبهم الغبطة والسكينة..

والسلام الداخلي.

والطبيعة إن أمكن تعريفها..

عطاء لا محدود ولا يتوقف..

من خيراتها استمد الإنسان مقومات حياته..

ومن جمال جبالها وشمسها وقمرها وبحورها..

استلهم روائع إبداعاته.

ومن غضب رعودها وأعاصيرها..

استوطن داخله جحيم يسهل الشعور به..

ويصعب تفسيره.

في مراحل حضارته الأولى ..

كان الإنسان يعتبر نفسه مجرد جزء من مكونات الطبيعة..

وقبل أن يستوعب طقوسها.. وقوانينها..

قدم لها القرابين والأضحية..

استجداء لرحمتها وعطائها..

وخوفاً من غضبها..

وكرّس الشمس والقمر والريح والمطر..

كآلهة تمّده بخيراتها المتنوعة..

وبعد أن بدأ يستوعب طقوسها.. وقوانينها..

مزّق بأظافر جشعه..

وجهها.. وألقها.. وعطاءها.

مزّقها بنفاياته السامة التي تطلقها صناعاته غير المدروسة..

وبالمواد الكيميائية المستخدمة بلا مبالاة لزراعة الخضار بغير مواسمها.

وبتلوث مياهها الذي تحول إلى أوبئة تنهش عباد الله المغلوب على أمرهم..

ومزّقها أكثر من ذلك.. وأخطر..

بتجاربه النووية..

والدمار الذي سببته حيثما تمت..

وحيثما استخدمت.

وبالأسلحة الكيميائية..

التي شوهت جسد الإنسان وروحه..

كما شوهت أجمل ملامح الطبيعة.

في سياق كهذا..

نتذكر أن أشرس وحوش الغابة..

وأشدها فتكاً..

لا يقتل إلّا ليأكل..

ولكن الإنسان في ظل الرأسمالية المتوحشة..

يقتل بوحشية أكبر كلما ازداد تخمة..

يقتل البشر القائمين.. والقادمين..

من خلال قتل الطبيعة التي تتقن فن عقابه..

وتكشر عن أنيابها لتفتك به.. وبمنجزاته.. وحماقاته.

ولنا أن نتخيل انتقام الطبيعة بصورة واحدة فقط..

عندما تبدأ الأقطاب والمحيطات المتجمدة بالذوبان..

بفعل ارتفاع الحرارة التي تسببت بها حماقاته..

ويرتفع منسوب مياه البحار والمحيطات..

وتجتاح مياهها المدن الساحلية..

وتغوص هذه المدن وما يجاورها من مناطق..

في أعماق هذه البحار.

فهل ستقتل الطبيعة أيضاً..

وتقتل الإنسان داخل الإنسان..

الشبكة العنكبوتية التي اجتاحت خصوصيته..

وجعلت من العالم قرية صغيرة..

يسهل تحكم رموز الرأسمالية المتوحشة بها..

وتسهل صياغتها لتتماهى مع مصالحها.