لكل السوريين

دواجن حماة بين مطرقة التكاليف وسندان الأسعار.. والمطاعم خارج المعادلة

حماة/ جمانة الخالد

يعيش مربو الدواجن في حماة هذه الأيام بين رحمة التكاليف الباهظة والخسارة حيث الأسعار المنخفضة. يدير أبو علي، مزرعة دواجن صغيرة في ريف حماة الشمالي، يقف أمام أقفاصه الفارغة بحسرة: “في الماضي كانت هذه المهنة تكفي لسد احتياجات العائلة وزيادة، أما اليوم فكل دورة إنتاج تخسرنا المزيد من المال”. يعكس كلام أبو علي معاناة عشرات المربين في المحافظة الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن مجاراة ارتفاع أسعار الأعلاف والأدوية في وقت تنخفض فيه أسعار بيع الدواجن الحية بشكل غير مسبوق.

وتشهد أسواق حماة هذه الأيام مفارقة غريبة، فبينما انخفض سعر كيلو الدجاج الحي إلى ما بين 22-24 ألف ليرة، نجد أن أسعار الوجبات الجاهزة في المطاعم لم تشهد أي انخفاض يذكر. سندويتش الشاورما ما زال يباع بـ15-20 ألف ليرة، ووجبة البروستد بـ110-120 ألف ليرة، رغم أن تكلفة الدجاج المستخدم في هذه الوجبات لا تتجاوز ثلث السعر النهائي. هذه الفجوة الكبيرة بين سعر المادة الخام وسعر المنتج النهائي تذهب أرباحها بالكامل إلى جيوب أصحاب المطاعم، بينما يخسر المربون من جهة ولا يستفيد المستهلكون من جهة أخرى.

وي حي المشرفة، حيث تنتشر محلات بيع الدواجن الطازجة، يشتكي التجار من ركود السوق. يقول أبو محمد، وهو تاجر دواجن منذ أكثر من عشرين عاماً: “الناس لم تعد تشتري كما في السابق، حتى مع انخفاض الأسعار. الأزمة الاقتصادية جعلت اللحوم البيضاء، التي كانت تعتبر البديل الأرخص، أصبحت أيضاً خارج متناول الكثير من العائلات”. هذه الشكوى تؤكدها الأرقام التي تشير إلى انخفاض استهلاك الفرد من الدواجن في المحافظة بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالعام الماضي.

أما في مزارع البيض، فالصورة لا تبدو أفضل حالاً. فبينما ارتفع سعر طبق البيض إلى 25-26 ألف ليرة، يشتكي المربون من أن هذا الارتفاع الطفيف لا يغطي تكاليف الإنتاج المتصاعدة. أم ياسر، التي تدير مزرعة بيض صغيرة مع زوجها في ريف حماة الشرقي، تشرح المعادلة الصعبة: “سعر كيس العلف تجاوز 300 ألف ليرة، والأدوية واللقاحات أصبحت بأسعار خيالية. نعمل طوال الشهر لنحصل في النهاية على ربح لا يتجاوز قيمة كيسين أو ثلاثة من الأعلاف”.

على الجانب الآخر، تزدهر أعمال مطاعم الوجبات السريعة في المدينة. ففي شارع أبي الفداء، أشهر شوارع حماة التجارية، تفتتح شهرياً مطاعم جديدة تقدم الدجاج المشوي والمقلي بأسعار مرتفعة. يقول صاحب أحد هذه المطاعم (رفض ذكر اسمه): “نحن ندفع إيجارات باهظة وتكاليف تشغيل عالية، ولدينا التزامات تجاه العاملين. لا يمكننا خفض الأسعار لمجرد انخفاض سعر الدجاج الخام”. لكن المستهلكين يرون أن هذه المطاعم تستغل الوضع لتحقيق أرباح خيالية على حساب الجميع.

وفي ظل هذا الوضع، يطالب المربون بسياسات حمائية عاجلة، تشمل فرض رسوم على الدواجن المستوردة وتقديم دعم حقيقي لأعلاف الدواجن والأدوية البيطرية. كما يقترحون إنشاء جمعيات تعاونية تسويقية تساعد في بيع المنتجات مباشرة للمستهلك دون وسطاء. لكن حتى الآن، تبقى هذه المطالب حبراً على ورق، بينما يستمر القطاع في الانحدار.

أزمة دواجن حماة ليست مجرد مشكلة قطاع زراعي معين، بل هي مؤشر على اختلال هيكلي في السياسات الاقتصادية والزراعية. فبينما يخسر المربون ويئن المستهلكون، تتراكم الأرباح في جيوب فئة قليلة.

- Advertisement -

- Advertisement -