حماة/ جمانة الخالد
يعتبر تعليم الأطفال حمل السلاح وغرس مفاهيم القتال في أذهانهم يعدّ خطراً حقيقياً يهدد مستقبلهم، خاصة في مجتمع أنهكته الحروب والصراعات. فمثل هذه الممارسات تزرع بذور العنف في نفوس الناشئة، وهو ما يصعب معالجته لاحقاً في بلد بأمسّ الحاجة لتعزيز ثقافة السلام والتسامح.
ولم تحترم أطراف الصراع في سوريا خصوصية الأطفال وتركهم لعيش حياتهم، وعملوا على تجنيدهم لخدمة مشاريعهم السياسية وفصائليتهم.
نشر رئيس الهيئة الشرعية في “حماة” “عبد الناصر العلوان” المعروف باسم “أبو إسلام الحموي” صوراً لتدريبات يجريها لفتيان قاصرين على حمل السلاح.
وبشكل صريح، استخدم “الحموي” حسابه على فايسبوك لنشر صورٍ لتدريبات على استخدام السلاح، تظهر وجود يافعين مشاركين فيها، مستشهداً بآيات قرآنية وأحاديث نبوية عن أهمية الاستعداد للقتال وتعلّم الرماية، علماً أن الشواهد الدينية لا تدعو لتعليم الأطفال حمل السلاح.
صفحات محلية تداولت الصور على نطاق واسع، وقالت أن التدريبات أجريت برعاية مديرية الأوقاف في “حماة”، لكن المديرية لم تصدر أي تعليق رسمي ينفي أو يؤكد ذلك.
وعبد الناصر علوان، رئيس الهيئة الشرعية في “حماة” وعضو المجلس الإسلامي السوري، درس في معهد الفتح الإسلامي وتخرّج من “الأزهر الشريف” في “القاهرة”، ثم عمل مدرّساً وخطيباً في قرى ريف “حماة”.
وكان قد لجأ “العلوان” إلى الشمال السوري خلال سنوات الثورة، حيث عمل في المحاكم الشرعية فترأس محكمة “حماة” الشرعية، وعمل في محكمة “ترملا” ومحكمة “الفتح” في “إدلب”.
إضافة إلى مشاركته في الحملات العسكرية وعمله في لجان الصلح في المناطق “المحررة سابقاً”، ويعمل حالياً مدرّساً في جامعة “آرام للعلوم” ومديراً لمعهد “البيان” فرع مدينة “الباب” شمال “حلب”.
وكان من ضمن قيادات فصيل “أحرار الشام” وتعرّضا معاً عام 2023 للاعتقال على يد “هيئة تحرير الشام” بعد مشاركتهما في اجتماع مع مسؤولي الجهاز الأمني في الهيئة وقائد الهيئة حينها والرئيس الحالي “أحمد الشرع”، إثر مطالبتهم خلال الاجتماع بإطلاق الهيئة سراح معتقلين من “حماة” اعتقلتهم “الهيئة” بتهمة التحريض وإثارة الفتن.
ويشكّل تعليم الأطفال حمل السلاح وتربيتهم على قيم العنف والقتال خطراً على مستقبلهم ومستقبل مجتمعاتهم، حيث تبنى في أنفسهم بذور العنف التي يصعب ردعها لاحقاً في بلدٍ يحتاج الكثير من بناء قيم السلام ونبذ العنف بعد كل ما شهده من خسائر.
ومن الناحية القانونية، فقد نصّ الإعلان الدستوري في مادته الثامنة على التزام الدولة بمكافحة جميع أنواع وأشكال التطرف العنيف، ولا شكَّ أن هذه الحالة واحدة من أشدّ حالات التطرف بل وبناء جيل متطرف وعنفي.
كما تقول المادة 12 من الإعلان الدستوري، أن جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق والاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها “سوريا” جزءاً لا يتجزأ من الإعلان.
ومن بين تلك المعاهدات اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري التابع لها والذي ينص في المادة 1 منه على أن الحد الأدنى من العمر المسموح به المشاركة في الأعمال الحربية 18 عاماً.
وتنص المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن ألّا يشترك الأطفال اشتراكاً مباشراً في الحرب، والامتناع عن تجنيدهم.
لقد دفعت “سوريا” ثمناً باهظاً لتربية أجيال متعاقبة على العنف وتمجيد القتال، في وقتٍ لا تزال فيه الفرصة قائمة أمام الأجيال الناشئة للعيش بسلام بعيداً عن قيم العنف والسلاح، والتوجّه نحو العلم والبناء لبلد يحتاج الكثير من همم أجياله القادمة بعد أن خسر كثيراً من أبنائه خلال سنوات من العنف الذي دمّره إلى حدٍّ بعيد.