لكل السوريين

مهنة البناء في دمار ممنهج

منذ قدم التاريخ كان هنالك من يتولى التصميم والإنشاء، وقد اشتهرت مدن عدة بمباني صنف بعضها ضمن النطاق الإبداعي وبعضها وصل لمرحلة الإعجاز الخلاق في البناء ودقة التصميم، وبقيت هذه المباني شاهد منذ قدم التاريخ، كدلالة على حضارة وثقافة المنطقة وأحد الثوابت التي استمرت دون استمرار أصحابها.

لكن كانت الأثر الشاهد على وجودهم والتي أظهرت مدى قوتهم وثقافتهم وقدرتهم على الاستفادة من المواد البيئية المتوفرة واستغلال هذه المواد بالشكل الأفضل والأمثل.

ولعل مناطقنا كانت صاحبت الحظ الأوفر بهذه المباني والتصاميم العمرانية، والتي كانت تتمتع بالديمومة والجمال، والسؤال هنا لماذا أبناء هذا التاريخ هم بعيدين عن تاريخهم؟، ولماذا نلاحظ انقطاع في التراث والتاريخ العمراني وضياع في الهوية العمرانية للمنطقة؟، بل تجاوز أبناء هذا التاريخ العميق الخطوط الحمراء التي أظهرت شبه تخليهم عن ارتباطهم التاريخي الوثيق بالمنطقة.

ولعل لغة المال والتقليد الأعمى هي السمة الظاهرة التي يتمتع بها مهندسي هذه الحقبة الزمنية الحالية.

وسنتناول الحديث عن الواقع المؤلم الذي يسود مدننا اليوم، التي دمرت جراء الحرب التي دارت رحاها خلال ما يقارب العشر سنوات، ففي هذه الفترة نلاحظ عدة سلامة بعض المباني الحديثة التي تعتمد على الاسمنت المسلح في الدراسة والتصميم.

ولكن كيف يحصل هذا ومن هو المسؤول عن هذه التجاوزات التي تجعل من هذه المباني محط خطر محدق بساكنيها، وسنتكلم ببساطة في هذا المجال عبر تناول أسس التصميم الهندسي، حيث أن المهندس قبل البدء بالتصميم لابد أن تكون لديه بيانات عن مقاومة كلا من الحديد والاسمنت وهما العنصران الاساسيان في تكوين البيتون المسلح، فلابد أن يعلم المهندس قدرة الفولاذ على تحمل قوة الشد، وكذلك قوة الاسمنت على تحمل قوة الضغط.

وبناءا على ما تم ذكره يقوم المهندس بحساب الحمولات الكلية للبناء ويقوم بحساب حاجته للفولاذ والاسمنت، ولكن ما يحدث اليوم نلاحظ انتشار للحديد المسحوب أو الحديد الحلبي، ومن أهم خصائصه بأنه غير معلوم القدرة على تحمل قوة الشد، وهنا تكمن الكارثة، كيف يتم استخدام مواد غير معلوم قدرتها على تحمل قوى الشد في حسابات تصميمة دقيقة للمباني.

وإذا ما أردنا أن نشبه الوضع كمن يركب سيارة بدوزان غير مضبوط، بحيث لا توجد ضمانات بالركوب في هذه السيارة لأنها بمرحلة ما ستؤدي بحياة من يركبها، وهذا لابد أن يناقش بلغة الهندسة والإنسانية وليس بلغة المادة والربح الأعظمي.

وكما نلاحظ انتشار مباني عديدة غير مدروسة على تحمل الزلازل رغم أن كافة الكودات العالمية توصي بأخذ التدابير الخاصة بالتصميم حول حماية المنشأة من الانهيار في حال وقوع زلازل، وكأن مهندسينا اليوم همهم الأكبر فقط التوفير ورضى جماعة المقاولين الباحثين عن الربح الأعظمي، دون الاكتراث لحياة الناس والتي هي المعيار الأساسي في التصميم.

وبالتالي نلاحظ تجاوزات لا يقبلها العقل والمنطق ولا يرضى عنها تاريخنا العريق، وهذا كله برسم الجهات المعنية وبرسم المهندسين الذين يقومون بالدراسة والتصميم الإنشائي.