لكل السوريين

متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟

بين الطموح في العيش بمستوى الرفاهية التي يعيش فيه الناس في أوربا والواقع الذي يشبه العيش في الدول الأفريقية الذي يعيش فيه للأسف غالبية أهالينا في سوريا والمهجرين في الخيام، نجد الضياع في سبل البحث عن المال والبعد عن الأخلاق الإنسانية، والسبب في ذلك لأن العقل الباطن للمجتمع وفي الأحاديث المسائية والنهارية نسمع جملا تنادي بسيادة المال، فلسان حال الأغلبية يقول الذي لا يملك قرشا لا يساوي قرشا.

ومن هنا ننطلق لنتكلم عن جمع الأموال بأكبر حجم لكي يصبح لي أكبر قدرا في المجتمع الذي نعيش فيه، ولكن للأسف كلنا يعلم الوضع الاقتصادي في سوريا وتدني الأجور في العمل ضمن القطاع الخاص وأيضا في القطاع العام، وخاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام السوري، فالأجر الذي نعلمه لا يتجاوز ال 100 ألف ليرة سورية.

ولعل من أكبر ضحايا هذا الأجر المنخفض هنا السيدات وخاصة في عملهن في القطاع الخاص، فنسمع بأن سيدة تعمل لدى طبيب بأجر 40000 ليرة سورية وهي تقوم بالتنظيف وتعمل كموظفة استقبال، وكذلك تعمل كموظفة كافيه تحت هذا الأجر المنخفض، وكذلك عملهن في محلات البيع في الأسواق، وبعمل مجهد وأيضا بأجور ليست أفضل من سابقاتها.

ولسان حال الواقع يقول بأن حجم الإنفاق اليومي لأسرة مؤلفة من خمسة أفراد لا يقل عن ثمانية ألاف يوميا، وبالتالي لابد أن يكون الدخل يصل إلى 240000 ليرة سورية شهريا، ولكن هذا الحجم المالي يكون بشريطة أن لا يوجد أطفال هم بحاجة حليب أطفال، وكذلك أكل اللحوم محرم بتاتا أو تستطيع أن تشم اللحوم بهذا الأجر مرة بالشهر.

والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي الأخلاق التي تجعلنا نعطي سيدة تقوم بالإنفاق على أطفالها لوفاة والدهم 40000 ليرة سوريا شهريا وبعمل يتجاوز 8   ساعات يوميا، أليس هذا أحد أبواب الاستعباد، ولو كنت مكان هذه السيدة لفضلت أن أكون عبدا، وإذا كان هناك تعجب فإني سوف أبرر فكرتي فالعبد يعني على سيده إطعامه وتأمين المسكن والملبس.

وإن ما ذكرته من ملبس وطعام وسكن هو بحاجة لحجم مالي يصل اليوم إلى 400 ألف ليرة سورية ويزيد، وهي عشرة أضعاف الأجر الذي تأخذه هذه العبدة من سيدها.

ولعل الجميع يقول نحن نعاني من انهيار اقتصادي، ولكن أنا أقول نعاني من انهيار أخلاقي حقيقي وكثرة الفاسدين والمفسدين واللصوص ضمن المجتمع وضمن المؤسسات وفي المنازل.

ولست أدري ما الحل الذي سيكون حليف هذا المجتمع إذا ما كان المخطط البياني في حالة انحدار مستمر دون وقفة للضمير، دون صحوة مجتمعية، إلى أين نحن نتجه، وما هذه المتاهة التي أدخلنا أنفسنا فيها، فكلنا يرى التوجه لكسب المال السريع عبر استغلال المناصب وعبر التجارات المشبوهة بالمخدرات وعبر الدعارة.

فهل هنالك من سوف يتولى زمام المبادرة في ظل هذا الحجم الهائل من التدخلات الخارجية، وهل سيكون هنالك منقذ لهذا المجتمع، وستبقى أسئلتنا سجينة جماجمنا المنهكة ونترقب مستقبل يخيف من يفكر فيه، ولربما سيأتي يوما قائدا يقول متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أماتهم أحرارا.