لكل السوريين

الغلاء المأساوي في جبلة, بقاء الراتب إلى نصف الشهر معجزة

تقرير/ سلاف العلي

مع بداية شهر أيلول وتوديع فصل الصيف وقدوم فصل الخريف بافتتاح المدراس والجامعات والمعاهد وانتهاء عطلة التصييف والتي ترافقت مع لهيب الأسعار المستعر في كل يوم والتي تقض مضاجع الأهالي والطلاب، ينامون على سعر ويستيقظون على سعر جديد أكثر ارتفاعا.

وتشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية ارتفاعا مستمرا في كافة أصناف السلع الغذائية، ما جعل المواطن يصارع اليوم بيومه، ليتمكن من تأمين قوت الحياة اليومية.

السيد أحمد وهو مدرس صف في إحدى مدارس ريف جبلة، وأب لثلاثة تلاميذ، اثنين في الإعدادي وصبية في الثاني الثانوي العلمي، قال: “من المعروف أن شهر أيلول يعرف بشهر المدارس والمونة أصبح كابوساً ما بعده كابوس، يرمي بثقله منذ أيامه الأولى على المواطنين، حيث أصبح المواطن يشتري كيلو الرز بنفس السعر الذي يشتري فيه المغترب في بريطانيا وألمانيا، علماً أن راتب السوري في أحسن أحواله 250 ألف ليرة بينما راتب المغترب بالعملة الصعبة.

وأضاف: “مع بداية شهر أيلول، ارتفع سعر صحن البيض ولامس حدود الـ 60 ألف ليرة، والبيضة 2000 ليرة، ووصل سعر كيلو الزعتر إلى 62 ألف ليرة، وهنا نتساءل ما الذي يمكن أن يوقف عصافير بطن الأطفال بمدارسهم عن الصراخ بالجوع بعدما أصبحت اللقمة كم عروسة الزعتر بهديك الحسبة”.

سحر، معلمة في إحدى مدارس جبلة، تؤكد ما جاء به أحمد، حيث تقول: “الخضار بدورها لم تقف على الحياد بل ارتفعت أسعارها، وأكثر المواد التي ارتفعت هي البطاطا التي زاد سعر الكيلو اليوم ما بين 1500 الى 2000 ل.س، منذ بداية شهر أيلول وأصبح سعر الكلغ ما بين 6000الى 7000ل.س، أما سعر1 كغ الخيار فلازال منافسا للبطاطا، والبندورة التي ترفض الانخفاض في عز الموسم”.

وتوضح “ارتفع أيضاً الباذنجان والكوسا لكل كيلو ما يقارب بين 500  و1000 ليرة، وأسعار الفواكه لا يوجد أي حديث عنها فهي من المريخ، وما يزعج بحق مشاهدة أصحاب العائلات يتنافسون أمام صالات السورية للتجارة أو المحال التجارية لشراء الخضار والفواكه غي الناضجة والمعفوسة لتوفير بعض الأموال وانتظار سعرها لينكسر بغض النظر عن جودتها، لقد ارتفعت أسعار الفروج الحي إلى  32 ألف ليرة”.

وتتساءل قائلة: “نسأل أين أموال الدعم التي تصرف على المداجن من المازوت الزراعي والأعلاف المدعومة والفحم الحجري، و من هو الحوت الذي يبلع هذا الدعم، ولماذا لم ينعكس الدعم على أسعار الفروج واللحمة، هموم كثيرة يحملها المواطن الذي لا حول له ولا قوة، فمع مرور الأسبوع الأول من شهر أيلول، وبالتزامن مع بداية المدارس والمونة لم يبقى للمواطن في جيبه ما يوصله لنصف الشهر فكيف يمكن أن يصمد ببضع ليرات ليصل إلى راتب الشهر التالي الذي سيصرف قبل أن يقبض أصلاً”.

السيد أبو خالد وهو إداري في المجمع الحكومي بجبلة أشار إلى موضوع المنظفات والتي بدورها لم تعد أسعارها نظيفة، وغالبية الأسر تحولت إلى شراء كميات قليلة من منتجات مصنعة بطريقة بدائية وغير موثوقة تباع بالمفرق بألفين ليرة، وحتى المحارم ارتفع سعر كيلو الفلش أو المفرق من المحارم من 40 الى 44 ألف ليرة منذ بداية شهر أيلول، وتخلت الناس عن المعطر وتشتري المواد شديدة الحساسية مثل الكلور والفلاش بالكيس النايلون، والسبب هو الفقر والحاجة وابتلاع التجار لزيادة الراتب قبل أن تصل إلى جيوب أصحاب الدخل المحدود.

وتكمل “التجار شغلها الشاغل تلقي الفواتير من تجار الجملة، وتعديل الأسعار وبغض النظر عن سعر الصرف الذي يتقلب على التوالي بين بداية الأسبوع ونهايته وخاصة في السوق السوداء، إلا أن التجار تسعر على سعر الصرف الأعلى الذي وصل إليه، وتزيد مع هامش ربح وتطلب من تجار المفرق تسديد أسعار البضاعة قبل فوترتها وإرسالها والانتظار يومين لوصولها ويومين لقبض ثمن البضاعة، وتكون خسارتهم كبيرة مع هذه التقلبات التي تحدث في سعر الصرف”.

السيد أبو فارس وهو من أصحاب المحلات في مدينة جبلة أكد أن “الارتفاع بالأسعار ابتدأ خلال النصف الثاني من شهر آب الماضي فقد قارب النصف في عدد من السلع الغذائية، وتراوح بين 30- 40% في سلع أخرى. حيث ارتفعت أسعار الحليب والألبان والأجبان والبيض، وأسعار اللحوم الحمراء والبيضاء وأسعار الخضار والفواكه، وأسعار الحبوب بأنواعها كافة، وخصوصا الأرز وأسعار المنظفات، ولم تسلم المعجنات والحلويات من الغلاء إضافة إلى أسعار الفلافل والحمص والمسبحة، وأسعار الزيوت والسمون وغيرها”.

لكن بعض تجار الجملة أكدوا على تراجع بسيط في أسعار بعض السلع، وارتفاع في أخرى (صحن البيض ب50 ألف ليرة بالجملة) خلال الأيام الماضية حيث بلغ سعر شوال السكر( 50كغ) 690آلاف ليرة بعد أن وصل إلى 725 ألف ليرة، كما تراجع سعر تنكة سمنة الخير (16كغ) من 600 ألف ليرة إلى520 ألف ليرة، و هبط سعر زيت دوار الشمس(4 لتر) من  135ألف ليرة إلى نحو115 ألف ليرة، وبلغ سعر كيس الطحين ب 410ألف ليرة، ويبدون زيت النخيل 500ألف ليرة، وطرد المتة (250غ) عدد 20 عبوة ب360الف ليرة، وتباع بالمفرق بسعر 20 ألف ليرة، أما أسعار الأرز فيختلف سعر الكيلو بالجملة حسب الماركة ونوع الحبة (مصري- هندي- إسباني) ويبدأ من 16 ألفا إلى33 ألفا وصولا إلى55ألف ليرة للرز الشعلان.

يأتي ذلك في وقت رفعت فيه السورية للتجارة أسعار السلع الغذائية لديها بنسب تراوحت بين 20- 30%،  حيث أن ارتفاع وانخفاض الأسعار مرتبط بتغير سعر الصرف، وهناك حالة فوضى وتخبط في عمليات التسعير، وعدم التزام بعض التجار بتخفيض الأسعار، مما يزيد من حالات  الفقر والجوع وتأثيرها السلبي في زيادة الجريمة والسرقات، ما يفترض البحث عن طرق أخرى غير جيوب المواطن لرفد موارد الخزينة، وتخفيض الضرائب على التجار الصغار، وتطبيق معنى اسمها فالحكومة من الحوكمة والحكمة والوزير من المؤازرة من المسؤول للمواطن، والزيادة على الرواتب يجب أن تكون عشرات الأضعاف حتى تسمى زيادة، وما أعطته الحكومة باليد اليمين أخذته من الشمال.

أما الدكتور عاصم وهو خبير اقتصادي معروف،  فقد شدد على دور دوريات التموين باتخاذ عقوبات رادعة بحق المخالفين في عمليات التسعير، محذراً أيضاً من تفشي ظاهرة الغش في السلع الرئيسة كالمنظفات والألبان والأجبان وبعض الأدوات الكهربائية ومواد العزل والنحاس فجميعها غير مطابقة للمواصفات القياسية ومنها شركات بأسماء كبرى موجودة في الأسواق، وبالنسبة الى ارتفاع اسعار الفروج والبيض والتي تحلق متجاوزة التوقعات فالسورية للتجارة هي مسببة لارتفاع أسعار الفروج بسبب زيادة الطلب عند الشراء بغرض التخزين و تكبد بآلية عملها مداجن الدولة و مربيين الدواجن خسائر فادحة وذلك عندما ترتفع تكاليف الإنتاج مع احتكار تاجر العلف و ارتفاع سعر صرف الدولار و تقوم بالمضاربة عليهم و البيع بسعر أقل من تكاليف الإنتاج للمربيين بغرض تخفيض الأسعار، وهي مسببة بتكبيد نفسها خسائر مالية لعدم تقييم تكاليف شراء الفروج بالدولار و تعويض نفس رأس المال القديم بالليرة السورية و ليس بالدولار، أي انها تبيع بربح 10% عن رأس مالها القديم مع العلم بأن سعر صرف الدولار قد ارتفع 15% و هنا نظريا الربح 10% و لكن عمليا خسارة 5%، أن التدخل الإيجابي الحقيقي هو عدم التدخل بالأسواق بطريقة تفكير و طريقة عمل غير علمية بالاقتصاد و تخالف قواعد السوق الحرة وإنما يكون بتحديد السعر فقط من خلال العرض و الطلب.

السيدة فيوليت وهي مهندسة مدنية وربة أسرة ،شرحت لنا الحالة العامة باستفاضة وقالت : تشهد أسواق جبلة خصوصاً واللاذقية عموما حالة غلاء لا مثيل لها، تحديداً في أسواق الخضار، فلا حسيب يردع ولا رقيب يمنع، حتى الضمير أصبح في الدرك الأسفل، وهنا تكمن الخطورة، أسواق الخضار هي المعقل الأخير لأصحاب الدخل المحدود بعد أن أصبحت اللحوم بألوانها خارج المعادلات العائلية اليومية والأسبوعية، ويبدو أن هناك مواد محسوبة على الخضراوات تسير في الاتجاه الممنوع كالبطاطا التي بدأت حباتها الثقيلة تناطح ال 6٠٠٠ ل.س، أضف إلى ذلك البندورة في عز الموسم وأسعارها المطّردة تجاوزت ال ٤٠٠٠ ل.س، وعلى عاتق هاتين المادتين تقع الكثير من الآمال بالنسبة للشريحة الواسعة من المجتمع، إضافة إلى مواد أخرى وضعت نفسها على ذات الطريق، وهذا ما فعلته ال (المائة ألف) الخاصة بالراتب المشلول، وتسعيرة المحروقات الجديدة، وسعر الكيلو غرام من التين من ١٨٠٠٠ إلى ٢٠٠٠٠ ل.س، وشجرته شبه حراجية لا تحب السماد فلماذا هذا السعر الاستوائي،  وكذلك الثوم ب ٣٠٠٠٠ ل.س، الفليفلة الحمراء أسعارها ما بين ٣٠٠٠ إلى ٤٠٠٠ ل.س، أصبح الوضع الاقتصادي العائلي بحاجة إلى (عصا) سحرية تضع حدا ملائما يرضي الجميع من مستهلكين وتجار ومزارعين، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فالجميع يسير إلى النفق المظلم، لذلك فإن هذا الأمر يستلزم المعالجة السريعة الرادعة.