لكل السوريين

“جرن الحنطة” تراث موجود عند كل ريفي بحمص

حمص/ بسام الحمد

رغم بساطته وبعده عن التعقيد وغزو الأدوات الكهربائية الحديثة للمطابخ لايزال جرن الحنطة يحتل مكانته في بعض بيوت الريف الحمصي فهو يحمل أسرار أشهى الأكلات كالهريسة والقمحية والسليقة بحكايات تنقل من جيل إلى آخر.

وجرن الحنطة عبارة عن قطعة حجر كبيرة محفورة في وسطها وبجانبها مدقة ثقيلة الوزن وقديماً كان يعد أهم قطعة في جهاز العروس، وامتاز جرن الحنطة على مر القرون الماضية بأهميته لدى المرأة الريفية الجبلية فهو الأداة التي استخدمتها في إعداد وجبتها اليومية البسيطة واليوم رغم تخلي الكثير من ربات البيوت عنه في مطابخهم العصرية إلا أنه ما زال يشكل وسيلة لاستحضار التراث نبض الواقع الاجتماعي الريفي بما يقدمه من طبخات شعبية متوارثة لها نكهتها الخاصة التي لا يمكن لأي أداة حديثة من المطبخ العصري أن تنافسه أو تحل محله.

وفي كل عام تظهر أهمية هذا الجرن الحجري مع بداية فصل الشتاء وبخاصة في شهر كانون الأول حيث تحتفل العديد من المناطق الجبلية بمناسبات شعبية وتشكل فيها الأكلات التي تعد في هذا الجرن “كالقمحية والسليقة والهريسة” إحدى طقوسها التي لا يكتمل الاحتفال بقدوم الشتاء بدونها.

تحتاج الأكلات التي تعد على الجرن إلى جهد كبير في تحضيرها لذلك غالباً ما يقتصر إعدادها على المناسبات التي تجتمع فيها العائلة.

ويحتل الجرن والرحى مكانة مميزة في بعض البيوت الريفية “كرمز للكرم”، ولا يكاد يخلو بيت في قرى تلكلخ من جرن الحنطة والرحى لكونهما من الأدوات الأساسية لتحضير الطعام القروي اللذيذ.

وكان للجرن الحجري حتى بداية فترة السبعينات من القرن الماضي مكانة خاصة في كل منزل، حيث يوضع في مكان بارز وسط الدار للدلالة على كرم الأسرة وجودها لكونها تسمح للأسر الفقيرة الحال في تلك الفترة والتي لا تقوى على امتلاكه من استخدامه فهو كان من المؤشرات التي تدل على يسر حال الأسرة في تلك الفترة حتى أن النسوة كن يتفاخرن بامتلاكهن جرنا حجريا من الصوان.

ويصنع الجرن الحجري من قبل مهرة وصناع متخصصين من صنفين من الصخور أما البازلتية أو الكلسية حيث يتم اختيار صخرة ويتم قطعها بواسطة الإزميل والمطرقة وتسويتها على شكل مكعب ذي ارتفاع يتراوح بين 50 و 75 سم وبعرض وطول يتراوح بين 75 سم والمتر تقريبا، وبعد أن ينتهي الصانع من هذه المرحلة يبدأ بعملية تسوية سطح الجرن وقشطه ليصبح شبه أملس عندها يحدد موقع الجرن في وسط المكعب الصخري وتبدأ عملية نقر الجرن داخل الصخرة بواسطة أزاميل خاصة ذات رؤوس مختلفة ويتم هندسة وتكوير الجرن داخل الصخرة بشكل اسطواني وبعمق يبلغ 25سم وبقطر يبلغ وسطيا 20 سم.

وبعد أن يفرغ الصانع من أعداد الجرن يبدأ مرحلة جديدة وهي تصميم المدقاق الذي يجب أن يكون ذا رأس وقاعدة تتناسب مع كور الجرن لأن هذا عامل مهم في تحسين أداء الجرن وسهولة العمل به ويقوم الصانع بتصميمه أيضا من نفس نوع حجر الجرن أما كلسي أو بازلتي ويكون ذا شكل أسطواني أو قريب البيضوي فهو يمسك بكلتا قبضتي اليدين ويجب أن يزيد في طوله عن عمق الجرن وأن تكون قاعدته أعرض من رأسه ليستطيع أن يهرس أكبر كمية من القمح وبعد أن يفرغ من تصميم الجرن والمدقاق يتم اختيار موقع بارز في فناء البيت الريفي أو في مدخله اسفل شجرة أو عريش العنب وقرب وعاء مملوء بالماء ليسهل على ربة البيت أو النسوة من الجيران استخدامه.