لكل السوريين

الأراضي الفلسطينية المحتلة.. عنف متصاعد ومستقبل غامض والفلسطينيون يرفضون خطة إنقاذ سلطتهم

تحقيق/ محمد الصالح

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل ثمانية شبان فلسطينيين في جنين ثلاثة منهم لا تتجاوز أعمارهم 17 عاماً، إضافة إلى خمسين جريحاً خلال عملية توغل جيش الاحتلال الإسرائيلي الأخيرة في المدينة التي تخللها قصف جوي بطائرات مسيرة.

وقالت صحيفة فرانس برس إن الجيش الإسرائيلي نفذ عملية توغل هي الأوسع في المدينة منذ نحو عشرين عاماً، وحذرت الصحيفة من أن إسرائيل تخاطر بإشعال انتفاضة ثالثة “وبدلاً من المساعدة في إعادة بناء قوة السلطة الفلسطينية في بؤر التوتر مثل جنين ونابلس، تقوم بتعزيز قوة الفصائل المسلحة ودفع الشباب إليها مثل كتائب جنين، وقريباً لن يكون لإسرائيل حتى حكومة فلسطينية يمكن التفاوض معها، وستتحمل هي الجزء الكبير من حدوث هذا.”

كما وصفت شبكة “سي إن إن” الأمريكية ” العملية بأنها الأكبر في جنين منذ عام 2002.

وكانت إسرائيل قد شنت عمليتها الواسعة، بعد أسبوعين من عملية كبيرة أخرى استهدفت مخيم جنين، وتخللها استخدام الطيران المروحي العسكري للمرة الأولى منذ عدة سنوات.

العنف يولد العنف

قالت صحيفة الإندبندنت البريطانية في افتتاحيتها “مهما كانت المبررات التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية لغزو آخر لمخيم جنين الذي يفترض أنه جزء من دولة فلسطينية حرة وليدة لا يمكن لأحد أن يعتقد بجدية أنها ستنجح في تعزيز قضية السلام”.

واستطردت الصحيفة قائلة “إذا كانت العمليات العسكرية الوحشية للجيش الإسرائيلي في جنين كافية لإنهاء الصراع في المنطقة، لكان الشرق الأوسط ينعم بالسلام منذ عقود، لكن من الواضح أن الأمر لا يسير بهذا الشكل”.

وأوضحت الصحيفة أن الأمر الذي لم تفكر فيه حكومة بنيامين نتنياهو هو أنها “حتى لو قتلت أو اعتقلت كل المقاتلين الفلسطينيين، فسيكون هناك الكثير والكثير من المقاتلين الآخرين وهم أكثر تصميماً على القتال بعد توغل مهين آخر”.

وأكدت الصحيفة أن العملية في جنين “لن تغير من الأسباب الأساسية لدوامة العنف، فالكثير من الفلسطينيين، ولا سيما الشباب منهم، يائسون من مصادرة إسرائيل التي لا ترحم لأراضيهم”. ويرى مراقبون إن الفلسطينيين لا يرون أي أمل في وطن خاص بهم، ولذلك يقابلون العنف بالعنف، ولن تقلح الاجتياحات وعمليات القتل والاعتقال في وقفهم عن مقاومة الاحتلال.

ولا يرى المتابعون للشأن الفلسطيني في عملية جنين مفاجأة بالنظر إلى أن إدارة نتنياهو مدينة بوجودها للأحزاب السياسية المتشددة التي ترعى حركة الاستيطان غير الشرعية، مما يشير إلى أنها لن تتراجع عن مواقفها بسهولة.

عنف متصاعد

تعتبر مدينة جنين ومخيم اللاجئين المجاور لها مسرحاً رئيسياً للمواجهات بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وبين القوى الفلسطينية، في ظل العنف المتصاعد في الأراضي الفلسطينية منذ العام الماضي.

وكثفت قوات الاحتلال والميلشيات الصهيونية المتطرفة، عملياتها في شمال الضفة الغربية خلال الأشهر الماضية، كما تزايدت هجمات المستوطنين المتشددين على الفلسطينيين ومنازلهم وأملاكهم ومزروعاتهم.

وأشارت هيئة البث الإسرائيلي إلى اعتقال أكثر من عشرين شخصاً، وتنفيذ أكثر من عشر غارات جوية على هذه المناطق تم خلالها تدمير ورشة لإنتاج وتخزين عبوات ناسفة، والعثور على مِنصة محلية الصنع لإطلاق الصواريخ.

وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي في حسابه على تويتر “في إطار عمل مشترك لجيش الدفاع والشاباك وحرس الحدود، تم العثور على مختبر متفجرات في مخيم جنين يحوي على مئات العبوات الناسفة جاهزة للاستخدام، بما فيها عبوات أرضية شديدة الانفجار وبؤرة لتخزين أسلحة”.

مستقبل غامض

يوجد عدد من القضايا الخلافية التي لا يستطيع الفلسطينيون الاتفاق عليها مع إسرائيل، ومن أبرز تلك القضايا، مصير اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، ومسألة وجدود المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، وهل ينبغي أن تبقى هذه المستوطنات أم يجب أن تزال.

وهل ينبغي أن يتشارك الجانبان في القدس، وهل ينبغي قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، وربما كان هذا الأمر الأكثر تعقيداً على الأطلاق.

ويبدو أن هذه الخلافات مستمرة ومتصاعدة، ولن تجد طريقها إلى الحل في أي وقت قريب.

فآخر خطة للسلام أعدتها الولايات المتحدة خلال حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، وأسماها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “صفقة القرن”، رفضها الفلسطينيون بوصفها متحيزة إلى طرف واحد، قبل أن تخرج إلى حيز التطبيق.

وستحتاج أي صفقة سلام مستقبلية إلى اتفاق الطرفين على حل كل تلك القضايا المعقدة والعالقة، وإلى أن يحدث ذلك، وهو غير مرشح للحدوث وغير قابل للتنفيذ، سيبقى الوضع على ما هو عليه، وسيظل الصراع بين الجانبين قائماً ومستمراً ومتصاعداً.

منع انهيار السلطة

بعد أيام من العدوان الذي شنته قواته على مدينة جنين ومخيمها، صدر بيان عن مكتب نتنياهو جاء فيه “إن رئيس الوزراء ووزير الدفاع سيقدمان للمجلس الوزاري المصغر خطوات لتحقيق استقرار الوضع المدني في الساحة الفلسطينية”، وهو ما يعني منع انهيار السلطة الفلسطينية.

ودارت سجالات حامية حول الموقف من السلطة الفلسطينية، ونقلت قناة “كان” التابعة لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية عن نتنياهو قوله “نحن بحاجة للسلطة الفلسطينية ولا يمكننا السماح لها بالانهيار”.

كما نقلت تقارير صحفية قوله “نحن مستعدون لمساعدة السلطة الفلسطينية مالياً، لدينا مصلحة في استمرار عملها، وحيث تنجح في العمل فهي تقوم بالمهمة لنا، وليس لدينا مصلحة بسقوطها”.

في حين أعلن وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير في تغريدة على حسابه في تويتر، اعتزامه معارضة ما سماه “القرار المخزي” بمنح مزايا للسلطة الفلسطينية.

وأشارت التقارير إلى أن محاولات إسرائيل لمنع انهيار السلطة الفلسطينية التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، تعود لاعتقادها بأن التراجع الاقتصادي الكبير في الضفة يشكّل أحد أهم أسباب التصعيد في الأراضي الفلسطينية.

الكابينت يصادق

قرر المجلس الوزاري الأمني المصغر الإسرائيلي تبني مقترح نتنياهو، بالعمل على منع انهيار السلطة الفلسطينية.

وقال بيان صادر عن المكتب الإعلامي التابع للحكومة إن المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن القومي “الكابينت” قرر بأغلبية 8 أعضاء ومعارضة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وامتناع عضو واحد عن التصويت، تبني القرار المقترح من نتنياهو بالعمل على منع انهيار السلطة الفلسطينية، مقابل عدة شروط في مقدمتها وقف التحريض على إسرائيل في الإعلام الفلسطيني والمنظومة التعليمية.

وأضاف البيان أن الشروط تشمل توقف السلطة عن توجيه أي اتهامات إلى إسرائيل في المحكمة الدولية والمنظمات الدولية، وقطع الرواتب عن عائلات الشهداء والأسرى.

وكان وزير الأمن القومي المتشدد إيتمار بن غفير قد أكد في تغريدة له على تويتر قبيل اجتماع المجلس، على أنه سيعارض ما سماه القرار المخزي بمنح مزايا للسلطة الفلسطينية.

والفلسطينيون يرفضون

قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إن الاشتراطات الإسرائيلية لتقديم تسهيلات اقتصادية ضمن خطة إنقاذ السلطة الفلسطينية مقابل وقف الإجراءات الدبلوماسية ضدها في المنظمات الدولية، ووقف صرف الأموال لأسر الشهداء غير مقبولة ولن تتم.

وأضاف خلال جلسة للحكومة الفلسطينية “إن المطلوب من الحكومة الإسرائيلية هو وقف العدوان على شعبنا، ووقف القتل والاستيطان، ووقف قرصنة أموالنا والعودة إلى مسار إنهاء الاحتلال استناداً إلى الشرعية الدولية والقانون الدولي”.

وأشار إلى أن الرئيس محمود عباس عبّر عن هذا الموقف في أكثر من مناسبة، وأضاف “إن الأموال المحتجزة لدى إسرائيل هي أموالنا ويجب على إسرائيل تحويلها لنا بدون ابتزاز أو شروط، وشعبنا يعرف تمام المعرفة حقائق الأمور ويرفض هذا الابتزاز”.

وذات الموقف أعلنته وزارة الخارجية الفلسطينية حيث قالت “إن ما تسميه حكومة إسرائيل بالتسهيلات هي التزامات واجبة التنفيذ على دولة الاحتلال وفقاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف والاتفاقيات الموقعة”.

ورفضت الوزارة أية شروط تروج لها الحكومة الإسرائيلية بشأن تنفيذ تلك الالتزامات، واعتبرتها محاولة فاشلة لتسيسها.

وطالبت بوقف جميع الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب غير القانونية والالتزام بالاتفاقيات والتفاهمات الموقعة، تمهيدا للانخراط الإسرائيلي في عملية سياسية.

وأدانت “الادعاء التضليلي الكاذب الذي يروج له رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف الحاكم بشأن حرصه على عدم انهيار السلطة”.

ماذا تبقى من اتفاق أوسلو

حدد اتفاق أوسلو خارطة وصلاحيات السلطة الفلسطينية وإسرائيل في الضفة الغربية قبل ثلاثة عقود، ومنح السلطة الفلسطينية صلاحيات للعمل في المنطقة (أ) التي تشكّل نحو 21% من إجمالي مساحة الضفة وتخضع بشكل كامل للسلطة الفلسطينية، كما تخضع المنطقة (ب) التي تشكّل نحو 18% من مساحة الضفة، إدارياً للسلطة الفلسطينية وأمنياً لإسرائيل.

ومنح إسرائيل السيطرة الكاملة على المنطقة (ج) التي تشكّل ثلثي مساحة الضفة تقريباً.

ولكن الاحتلال لم يتوقف عن توسع دائرة الاستيطان والانتشار والاستيلاء على الأراضي متجاهلاً وجود السلطة الفلسطينية مما وضع الاتفاق في مهب الريح.

ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 أعادت إسرائيل احتلال الضفة بشكل كامل.

وبحلول عام 2021، بلغ مجموع المساحات المصادرة لصالح المستوطنات نحو 40% من مساحتها، وبلغ عدد البؤر الاستيطانية أكثر من 300 بؤرة.

وأسهمت شبكات الطرق الالتفافية التي أقامتها إسرائيل في اختراق المناطق الفلسطينية وتقطيع أوصال التجمعات السكانية فيها.

وفي ظل الاقتحامات المتكررة للقوات الإسرائيلية لمناطق السلطة الفلسطينية شمالي الضفة،

وما فرضته من وقائع فيها، تعالت التساؤلات حول ما تبقى من اتفاق أوسلو، وبدا حل الدولتين بلا معنى، فالمناطق الفلسطينية باتت مجزأة ومقسمة بطرق وقواعد عسكرية إسرائيلية.

ووفق حركة “السلام الآن” اليسارية الإسرائيلية المعارضة فإن أكثر من 465 ألف مستوطن يعيشون في 132 مستوطنة و146 بؤرة استيطانية عشوائية مقامة على أراضي الضفة الغربية، إضافة إلى 230 ألف مستوطن يعيشون في 14 مستوطنة مقامة على أراضي القدس الشرقية.