لكل السوريين

المواطن وتحديات الخدمات الصحية في اللاذقية

تقرير/ سلاف العلي

فإلى جانب تدني مستوى الرعاية الصحية المقدمة في المستشفيات الحكومية صار الدواء وزيارة الطبيب أعباء يتحاشاها الموظفون الحكوميون بسبب مشكلات عدم الصرف الذي تختلقها لجان الطبابة، وهو ما أوصل بعض الموظفين إلى ذروة التدهور الصحي قبل أن يفكروا في التوجه إلى طبيب، لقد تحول أسلوب عمل الطبابة الحكومية إلى استغلال وإذلال في الوقت نفسه.

يجبر العاملون في مؤسسات الدولة باللاذقية على إتمام معاملة طويلة في كل مرة يقررون فيها زيارة الطبيب أو شراء علبة دواء، وتبدأ المعاملة بالحصول على إحالة طبية من لجنة الطبابة، وتؤخذ إلى الطبيب ليضع عليها قيمة الكشف الطبي المعاينة مع كتابة أسماء الأدوية الموصوفة، ويدفع الموظف من جيبه الخاص للطبيب، كما يشتري الأدوية على حسابه، ليتمكن بعد ذلك من إتمام إجراءات الإحالة الطبية وفاتورة الدواء التي ترفق معها تفاصيل العلاج والوصفة الطبية وقصاصات من عبوات الأدوية الكرتونة أو حتى العبوات الزجاجية الفارغة للحقن، وتقدم هذه الفواتير إلى لجنة الطبابة التي تقرر أو لا تقرر أمر الصرف، الذي يعني الموافقة على تعويض الموظف بقيمة الدواء أو المعاينة الطبية التي دفعها مسبقا، ويشترط أن يكون الطبيب المعالج الذي توجه إليه الموظف يقبل إحالة صندوق مشترك التي تتعامل بها بعض المؤسسات الحكومة التي تضمن مرسوم إحداثها بند: طبابة العاملين، علما ان البعض بدأ بالتعامل بطريقة التأمين الصحي بدلا من الصندوق المشترك، وذلك بالتعاقد مع شركات تأمين خاصة تمنح الموظفين مبالغ محددة للعلاج، الذي لا يتضمن الفيتامينات أو العلاج الذي يندرج تحت مسمى: العلاج التجميلي، وبعد ارتفاع أسعار المعاينات الطبية في العيادات الخاصة باللاذقية والتي تتراوح بين 40 – 100 ألف ليرة سورية، أصبح بعض الأطباء يرفضون أخذ الإحالة من الموظفين، ويشترطون الدفع النقدي دون الدخول في متاهة المؤسسات الحكومية والأسعار الزهيدة التي تحددها مديرية الصحة ونقابة الأطباء لقاء المعاينة الطبية، بينما يقبل بعض الأطباء بالتعاون مع المريض بأقل الضرر من خلال كتابة فاتورة موقعة منه تتضمن قيمة المعاينة الطبية : الكشفية، يشار إلى أن القيمة المصروفة من لجنة الطبابة لا تتجاوز الثلث من قيمة المعاينة الأصلية المدفوعة للطبيب، وذلك بحجة أن الصرف يكون وفق نشرة وزارة الصحة.

من الممكن ان يستغرق قرار أمر الصرف إلى 4 أو 5 أشهر، وفضلا عن إذلال الموظفين من قبل لجان الطبابة والصرف لإعطائهم موافقة على صرف التعويضات، وكون قيمة الصرف في معظم الحالات أقل من القيمة الحقيقية التي دفعها الموظف مسبقا، فإن بعض الإحالات قد تتأخر حتى عقد اجتماع اللجنة، ووفق مزاج أعضائها، ولا يؤخذ بعين الاعتبار تغير أسعار الأدوية والمعاينات الطبية.

يعاني معظم المواطنين من سوء التغذية والأمراض الناتجة عن نقص المغذيات وضعف المناعة، وكثير من الأطباء عمد إلى وصف الفيتامينات ضمن خطة علاج الكثير من مرضاهم، إلى جانب وصف أدوية تحتوي مكملات غذائية وأحماضا أمينية، ولا سيما بالنسبة لمرضى الاعتلالات العصبية والإصابات العظمية، لكن يمنع صرف هذه الأدوية بوصفها كماليات، على الرغم من غلاء أسعارها في الآونة الأخيرة، ولا سيما أنها تؤخذ على جرعات وفترات طويلة لكونها ذات أثر تراكمي يستغرق وقتا، الأمر الذي وضع الموظفين بين حدي سكين، إذ ليس باستطاعتهم شراء اللحوم والفواكه والعسل وغيرها من المصادر العالية الفيتامينات والبروتين، وغير قادرين على شراء البدائل الصيدلانية لتعويض حالات النقص الحاد لديهم.

السيد هناء موظفة في زراعة اللاذقية اخبرتنا: كان لديها إصابة في غضروف الركبة وديسك في فقرات الظهر، فضلا عن الآلام العصبية المرافقة، وقد وصف لها الطبيب مكمل: غلوكوز أمين وحقن فيتامين دال ومكملات الكلس ضمن الخطة العلاجية، لكن مديرة اللجنة رفضت صرف الأدوية، متحججة لأنها مكملات ولان الغلوكوز أمين أجنبي المصدر وتهريب، لا يكفي الراتب الشهري لشراء علبتي دواء، حتى إنهم يستدينوا لشراء الأدوية، ان مديرة اللجنة تعامل الحالات المرضية للموظفين بشيء من المزاجية والكثير من المحسوبية، وتأتي عرقلة صرف إحالات الموظفين من قبل لجان الطبابة في عدة مؤسسات ، كطريقة لإجبارهم على التنازل عن جزء من تعويضاتهم قيمة الإحالة لصالح مدير اللجنة أو أحد أعضائها، ويكون ذلك في صورة مقايضة للموظف، ولا سيما عندما تكون قيمة التعويضات كبيرة، مثل: تكاليف عمل جراحي، أو فحوصات المرنان المغناطيسي والطبقي المحوري والتحاليل الطبية والتنظير الهضمي، ويضطر بعض الموظفين في هذه الحالة إلى تقديم الرشوة للمسؤول عن أمر الصرف عبر منحه جزءا من قيمة التعويض من أجل تحصيل الموافقة على أمر الصرف، فالحصول على التعويض ناقصا خير من بِلا.

السيد جلال وهو مهندس في الاشغال أخبرنا أن كلفة علاج الديسك بالحقن على الجذور العصبية للفقرات المنتكسة، وصلت إلى 100 ألف ليرة سورية للحقنة الواحدة في العيادات الخاصة، إضافة الى الحاجة إلى جلسات العلاج الفيزيائي والمكملات الداعمة للعظام والغضاريف، احتاج إلى 20 حقنة بكلفة مليوني و400 ألف ليرة سورية لكامل الجلسات ، لكن رفضت اللجنة التعويض حتى بنصف المبلغ رغم إتمام كامل إجراءات الإحالة وتقديم التقارير الطبية من الطبيب المختص والمعالج الفيزيائي وصورة المرنان المغناطيسي والوصفات الطبية، وتحججوا بأن أحد الأدوية الداخلة في تركيب الحقن أجنبي، ورفضوا التعويض عن الجلسات الفيزيائية لكونها لم تتم في مستشفى حكومي رغم وجود التقارير التفصيلية، وأشار السيد جلال إلى أن مديرة اللجنة تتقاضى عن الإحالات الطبية وفواتير الأدوية مبالغ مالية من الموظفين قد تصل إلى نصف مليون ليرة سورية عن كل أمر صرف توافق عليه، وقد اضطر المهندس جلال كبقية زملائه إلى دفع رشوة للمديرة آنفة الذكر، مقابل تسيير أمر الصرف، لكن عرقلت أمر الصرف المقدر بـ 3 ملايين و400 ألف ليرة سورية لأشهر كاملة، حتى فكر بتمرير مبلغ معين لها، يعني : من تحت الطاولة، لتسهيل الأمور، وتمت الموافقة عليه بعد دفع 300 ألف ليرة سورية، ولا بأس بخسارة جزء مقابل تحصيل الباقي، يذكر أن المرتب الشهري المقطوع لجلال، بعد الترفيعات الأخيرة وصل إلى 496 ألف ليرة سورية، وهو سقف الرواتب للمهندسين أي للفئة الأولى، علما أن لديه 20 سنة خدمة في المؤسسات الحكومة، وبعد خصم قيمة التأمينات الاجتماعية ورسوم الصندوق المشترك ورسوم نقابة المهندسين وضرائب الدخل وقيمة القرض الذي استلفه مسبقا، يصل المرتب الشهري للمهندس إلى 316 ألف ليرة سورية فقط لا غير، ويضيف جلال: ان الموظف الحكومي يتسول حقه من جيب الدولة، نعمل النهار بأكمله ليقوموا بإذلالنا في لقمة عيشنا وعافية أجسادنا، ان الراتب أصلا ينتهي في أول 4 أيام من الشهر.