لكل السوريين

من أجل أحلام أردوغان العثمانية.. أنقرة تحوّل إفريقيا إلى مسرح جديد للإرهاب

في الوقت الذي يواصل فيه رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، نقل المرتزقة إلى ليبيا، وحشد الإرهابيين في الجزء الجنوبي منها، تتواتر التصريحات الرسمية التركية حول ضرورة تعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية، وتتزامن مع انتشار عناصر استخباراتية تركية، تحت غطاء منظمات دينية وجمعيات خيرية، لتمهد لاستقبال المرتزقة والعناصر الإرهابية التي يجري دمجها مع التنظيمات المتطرفة بمنطقة الساحل والصحراء لإعادة توجيها إلى إفريقيا،  حيث تسعى أنقرة بكافة الوسائل إلى تثبيت أقدامها في القارة السمراء، كجزء رئيسي من تحقيق أحلام أردوغان العثمانية.

وتمثل ليبيا أهمية خاصة للعثمانيين الجدد من الناحية الجغرافية، فهي تتمتع بشاطئ كبير على البحر المتوسط من جهة، ولها حدود مشتركة مع دول شمال إفريقيا من جهة أخرى.

ولذلك سارعت أنقرة بالتدخل في ليبيا منذ بداية الحراك فيها، وساهمت بتعميق الفوضى، ودعمت الجماعات المتطرفة، وخاصة جماعة الإخوان الإرهابية.

كما ساهمت بتدمير المؤسسات العامة فيها، وانتقلت عبر تدخلها العسكري، إلى محاولة فرض سلطة الإخوان على ليبيا لوضعها تحت سيطرتها، والانطلاق منها إلى دول شمال إفريقيا، لزرع التنظيمات الإرهابية غرب وشمال إفريقيا، وإرسالهم لاحقاً إلى دول الساحل والصحراء في إفريقيا.

أطماع.. وأوهام أردوغان

لتنفيذ أوهامه بإعادة إحياء “الدولة العثمانية” يسعى رئيس النظام التركي لإنشاء قاعدة عسكرية تركية في الصومال، وأخرى في جيبوتي بهدف السيطرة على القارة السمراء، بعد أن وقعت تركيا اتفاقيات أمنية لتطوير وتحديث قطاع الأمن في كينيا وتنزانيا، ودربت قوات أوغندية، وسعت إلى إقامة قواعد عسكرية في السودان بعد توقيع اتفاقية تعاون وتدريب عسكري مشترك مع نظام البشير في العام الماضي، لكن هذه الاتفاقية واجهت معارضة شديدة بعد إسقاطه.

كما وسعت أنقرة علاقاتها مع معظم دول المنطقة مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، مستغلة ما تواجهه تلك الدول من أزمات الجوع والفقر والصراعات الإثنية والقبلية، إضافة إلى انتشار الإرهاب فيها.

وكثف المسؤولون الأتراك خلال السنوات الأخيرة زياراتهم إلى معظم دول الساحل الإفريقي بهدف إعادة تشكيل المحاور الإقليمية في المنطقة، حيث تولي أنقرة لإفريقيا أهمية كبيرة في المجال الأمني، وهو ما برز في اتفاقات التعاون الأمني التي أبرمتها مع معظم دول المنطقة مثل موريتانيا وغامبيا وكوت ديفوار وتشاد وغينيا ونيجيريا، وكان آخرها التوصل إلى اتفاق أمني مع النيجر شهر تموز الماضي، بهدف إيجاد موطئ قدم علني لها في منطقة الساحل والصحراء.

مرتزقة جدد إلى الصومال

بعد أن انتهجت تركيا أسلوب السيطرة على الدول من خلال نشر الإرهاب فيها، عمدت إلى المتاجرة بالمرتزقة السوريين، ونقلهم من مكان إلى آخر بحسب مصالح التمدد العثماني الجديد.

فبعد أن توقفت المعارك في إقليم كاراباخ.. وبدأ النظام التركي بإعادة مرتزقته من مقاتلي الفصائل المسلحة السورية التي تدور في فلكه.

وبعد الهدوء النسبي على الساحة السورية، بدأ النظام التركي بإرسال مجموعات من هؤلاء المرتزقة إلى بعض الدول الإفريقية.

وتحدثت صحيفة تركية عن إعطاء السلطات التركية الأوامر للأجهزة الأمنية بنقل مسلحين سوريين إلى دولة جديدة.

وأوضح تقرير نشرته صحيفة “زمان” التركية، نقلاً عن مصادر سورية خاصة، أن عملية نقل المرتزقة السوريين ستتم عبر التنسيق مع قادة الجماعات الصومالية الموالية لتركيا في مقديشو، وبأمر من أردوغان.

وأشارت الصحيفة إلى اجتماع مسؤولين أتراك عقد في قرية ميدان أكبس بمدينة عفرين السورية في تشرين الثاني الماضي، بهدف التحضير لإرسال عدد من المسلحين “المرتزقة” إلى الصومال.

وحسب المصادر، تناول الاجتماع تهيئة معسكرات لتدريبهم قبل إرسالهم إلى الصومال.

وقالت المصادر إن تركيا فتحت معبراً حدوديا بقرية بنيركا التابعة لناحية راجو، بالقرب من القاعدة التركية غير الشرعية، في عفرين، لتسهيل عملية نقل المسلحين إلى تركيا، ثم إلى الصومال.

الدور التركي في إفريقيا

كشفت دراسة حديثة أبعاد دور تركيا في إفريقيا، وحرصها على إعادة تفعيل تواجدها فيها، وأشارت إلى أنها اتجهت للبحث عن وجود لها على البحر الأحمر وفي منطقة القرن الأفريقي بعد فشلها في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي.

ورصدت الدراسة التغلغل التركي في إفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي بشكل خاص، ومحاولات تركيا  تمديد نفوذها واستعادة مجدها القديم داخل القارة لتحقيق أوهام العثمانية الجديدة التي يسعى رئيس النظام التركي لتنفيذها.

وسلطت الدراسة الضوء على محاولات تركيا لإيجاد جماعات متطرفة موالية لها في القارة الإفريقية من خلال المساعدات الإنسانية والمنح الدراسية ومنظمات الإغاثة، وإرسال شحنات أسلحة ومقاتلين من التنظيمات الإرهابية الموالية لها في سوريا لدعم هذه الجماعات، تحت غطاء هذه الشعارات الإنسانية.

وأشارت إلى نشاط مكثف تقوم به الوكالات والمؤسسات التركية في منطقة القرن الأفريقي، خاصة الصومال والسودان، تحت ذريعة تقديم المساعدات، كوكالة التعاون والتنسيق “تيكا”، ومؤسسة “ديانيت”، وهيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات “IHH”، التي تنشط في عدة دول على مستوى العالم، وتعمل على جمع التبرعات، تحت ذريعة حفر الآبار وبناء المساجد والمستشفيات والمدارس ودور الأيتام والمراكز الثقافية.

السلاح والمرتزقة عبر ليبيا

أغرقت النظام التركي والتمويل القطري، إفريقيا بالسلاح والمرتزقة عن طريق ليبيا رغم مطالبات المجتمع الدولي بضرورة وضع حد لتهريب السلاح إلى ليبيا عن طريق مطاري طرابلس ومصراتة، ومنع وصول الطائرات التركية والقطرية إلى المطارين.

وبحسب رئيس بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي، فقد حولت الفوضى التي تعيشها ليبيا  دول الساحل الإفريقي إلى ترسانة سلاح.

كما أكد رئيس مجموعة العمل الوطني الليبي، وجود دول تقدم أسلحة للميليشيات، وتدعم المتطرفين في ليبيا، مشيراً إلى تقاعس في عمل البعثة الأممية من خلال إرادة الدول التي تتحكم بالمنظومة الدولية.

وتحدث عن تهريب عناصر العصابات والسلاح من ليبيا إلى مالي وغيرها من الدول الإفريقية، متسائلاً عمّن كان يدرب الجماعات الإرهابية في ليبيا، ومن كان يقدم الدعم اللوجستي لها، ومعرباً عن استغرابه من الرقم المعلن بشأن تهريب 60 مليون قطعة سلاح من ليبيا إلى هذه الدول.

ربط بؤر الإرهاب في إفريقيا

من جهة أخرى، يرى المحللون السياسيون أن ما يحدث من تموضع جديد لتنظيم القاعدة في إفريقيا، بالتزامن مع ما تشهده الساحة في كل من مالي ونيجيريا من تحركات مريبة للتنظيمات القاعدية والتكفيرية هناك لا يمكن أن يكون مصادفة.

ويتحدثون عن مخطط يدبر في الكواليس لمنطقة الساحل والصحراء لتكون نقطة انطلاق جديدة لتنظيمي القاعدة وداعش معا “تحت مسمى جديد وراية جديدة”.

وعن نية تركية لاستثمار هؤلاء المرتزقة والتكفيريين في الجغرافيا الإفريقية، فـ “بعد أن أنهى هؤلاء المطلوب منهم في العراق وسوريا وليبيا، فتحت لهم تركيا أبواب إقليم ناغورني كاراباخ”.

واليوم تقوم بنقل أغلب هؤلاء المرتزقة والتكفيريين “من نقطة تجمعهم الأكبر بشمال وشرق سوريا، ومعسكرات تدريبهم في شرق تركيا إلى غرب ليبيا ومالي”.

ويشير المحللون إلى مخطط تركي يهدف إلى تفجير الوضع بوجه القوات الفرنسية المتواجدة في مالي، وإلى ربط بؤر الإرهاب في إفريقيا، من نيجيريا مرورا بمالي وتشاد والنيجر، وصولا إلى غرب ليبيا، مع بعضها والعمل على وضعها تحت سيطرتها.

ومسرح جديد للإرهاب

منذ أن أعلن تنظيم القاعدة، تعيين الجزائري مبارك يزيد، واسمه الحركي “أبو عبيدة يوسف العنابي” كزعيم جديد لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، خلفاً لعبد المالك درودكال، الذي قتلته القوات الفرنسية قرب الحدود المالية مع الجزائر في حزيران الماضي.

أشارت توقعات المحللين إلى أن منطقة الساحل والصحراء، التي تشمل دول موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، ستكون مسرح عمليات جديد للتنظيمات الإرهابية الدولية، وفي مقدمتها تنظيمي القاعدة وداعش خلال الفترة القادمة.

وكانت مدن الغرب الليبي قد شهد ت تطورات خطيرة بعد أن نقلت الطائرات التركية الإرهابيين من شمال سوريا إلى غرب ليبيا بالتزامن مع التحركات المريبة للعديد من الجماعات التكفيرية في مالي ونيجيريا، وفي ظل توسع دائرة عمل جماعة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا، وتمدد التنظيمات المتشددة في مالي جهة الشمال نحو الصحراء الجزائرية، وهي تحركات تخدم مشروع تفجير الوضع بدول الساحل والصحراء، وتأسيس بؤرة جديدة للتنظيمات الإرهابية مستقبلا.

الحركات الإرهابية تجتاح إفريقيا

يعتبر انتشار التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء نتاج تضافر العديد من العوامل، ومن أبرزها تردي الأحوال المعيشية في الدول الإفريقية، والتدخل الأجنبي السافر في شؤون القارة، وانتشار الجماعات التبشيرية بشكل مكثف، وسهولة التنقل بين الدول وبعضها البعض، والاحتكاك بمجموعات جهادية كثيرة خارج الإقليم في أفغانستان والسودان وغيرهما، إضافة إلى الطبيعة الاقتصادية والعرقية والقبلية، للعديد من الدول التي شجعت على إفراز تنظيمات متشددة، في كل من موريتانيا والجزائر ونيجيريا ومالي وبقية الدول المجاورة التي تمتد من أقصى الساحل الأفريقي الغربي، إلى أقصى الساحل شرقاً.

إضافة إلى الدور التركي ومن يدور في فلكه، بتزويد هذه الشبكات بما تحتاجه من سلاح وعناصر إرهابية.

وتنتشر التنظيمات الجهادية في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي، وهي أولى المناطق التي شهدت تدخلات خارجية ودولية لمكافحة الإرهاب في القارة الإفريقية.

وتعمل في قارة إفريقيا خمس مجموعات إرهابية مسلحة رئيسية وشديدة الخطورة، ولديها صلات وثيقة بتنظيم القاعدة، وهي “بوكو حرام” في نيجيريا، و”القاعدة في المغرب الإسلامي” شمال الصحراء الكبرى، وحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، وحركة “أنصار الدين” السلفية الجهادية في مالي، وحركة “التوحيد والجهاد” غرب إفريقيا.

ماذا عن الحلول

في ظل هذه التطورات الخطيرة، يطرح السؤال المؤرق نفسه: هل ستصبح القارة الإفريقية الساحة الرئيسية لنشاط وعمل الجماعات الجهادية والإرهابية المسلحة، بدلاً من الشرق الأوسط، أو بالتناغم معه، كما يتوقع الكثيرون.

ويرى المراقبون أن ذلك يتوقف على عوامل عديدة، وفي مقدمتها نوعية الأنظمة الحاكمة في هذه المناطق، فمواجهة عنف الجماعات الجهادية، وما تمثله من تحديات، لا يتم بتشديد الإجراءات الأمنية، وفرض الرقابة على الحدود فقط، بل يتوقف إلى حد كبير على سحب الذرائع من يد هذه الجماعات عن طريق تأمين الحكومات فرص عمل لمواطنيها، وإطلاق الحريات العامة بما يحقق الأمن والأمان والاستقرار السياسي الذي يجعل العنف أقل جاذبية للمواطنين، ويضيّق المجال أمام الجماعات الإرهابية، ويحد من انتشارها، تمهيداً للقضاء عليها.

تقرير/ محمد الصالح