لكل السوريين

الإبتزاز التركي مرة أخرى

الإبتزاز عمل غير محمود يمارسه الطرف الظالم الذي لايستطيع نيل ما يريده بالسبل الشرعية. أي أنه يسعى إلى الحصول على ما ليس من حقه. كما أن العنف أو التهديد به وسيلة شائعة للإبتزاز.

الدولة التركية منذ تأسيسها جعلت الإبتزاز والتهديد من وسائل سياساتها للتعامل مع محيطها وداخلها دون إكتراث بالقيم والمقاييس الإنسانية التي تطورت نتيجة لخبرة البشرية على صعيد نتائج الحروب الطاحنة التي خاضتها والبحث عن سبل التعايش أو حتى العيش المشترك ضمن الوطن الواحد إنطلاقاً من أن الإنسان هو الأقدس وكذلك حياته المقدسة وتتطلب الحفاظ عليها وحمايتها من كل مكروه.

العثمانيون الذين تسللوا إلى بلاد ما بين النهرين كانوا أحفاد جنكيزخان وهولاكو الذين تركوا آسيا الوسطى نتيجة القحط الذي أصاب بلادهم، ولم يتعرفوا على أية قيم حضارية، وليس لديهم أي دافع سوى السلطة والإنفراد بالتحكم برقاب البشر فكان شعارهم “هل هناك متعة أكثر من تقتل رجالهم وتستولي على ممتلكاتهم وتسبي نساءهم” !!!! ولا داعي لسرد أعمالهم في كل الأنحاء التي وصلت إليها أيديهم، وخاصة المراكز الحضارية والعلوم في الشرق الأوسط. وعندما أستطاعت البشرية المتقدمة التخلص منهم، وجدت نفسها أمام أحفادهم السلاجقة الذين جعلوا من الإسلام وغزواته ستاراً جديداً للإستمرار فيما كان يمارسه أسلافهم المغول، فمارسوا وغزوا وأبادوا بما يكفي ليأتي بعدهم العثمانيون بفريق آخر منهم على مسار النزاع على السلطة، وهؤلاء أيضاً كانوا بارعين في إفتعال النزاعات والفتن وممارسة كل أشكال التحايل والعنف للتحكم في رقاب الناس باسم السلطنة والإسلام والخلافة.

فتوسعت سلطتهم إلى شمال أفريقيا ومجمل الشرق الأوسط وحتى جنوب أوروبا، ينهبون خيرات الشعوب ويستعبدونها دون أن يقدموا شيئاً لها لا من القيم الحضارية والعلمية ولا من الرفاهية، فما يقدمونه لم يكن سوى ما يخدم بقاءهم كعبيد منتجين لإغناء دولتهم وجعلهم جنوداً في غزواتهم عند الطلب. وبقي الحال هكذا إلى بدايات القرن العشرين حيث ظهرت معايير وقيم جديدة تتمسك بها البشرية وعلى رأسها صحوة القوميات ومطالبتها بالدولة القومية. فسعى السلطويون العثمانيون من ضباط ومستفيدين من السلطة إلى تتريك الدولة وبث الإنتماء التركي حيثما حكموا، ولكن إرادة الشعوب ومكائد الطرف الآخر المنافس كانت أكثر جدوى، مما أدى إلى تفتيت الدولة العثمانية، ولكن الباشاوات العثمانيون والمستفيدون من السلطة كانوا مصرين على الحفاظ على سلطتهم وتحكمهم برقاب البشر، فأبادوا الشعوب التي تطلعت إلى الحرية والبقاء، فكانت النتيجة الإبادة العرقية للأرمن والبونتوس والسريان، ثم الشعب الكردي الذي لازال يقاوم حتى يومنا. كل ذلك في سبيل تأسيس دولة قومية تركية مصطنعة من عناصر لاتنتمي إلى الترك. بل التم شملهم حول السلطة والتحكم برقاب البشر مثل أسلافهم.

رغم حملات التهجير والإبادة والقتل لم تتمكن الدولة التركية الحديثة التي احتفظت بتراث المغول والسلاجقة والعثمانيين في الإبادة والتنكيل والصهر من القضاء على الشعب الكردي وتطلعاته، بل أصبح نضاله العادل في سبيل اللحاق بالمسيرة البشرية يحظى بتأييد وتعاطف البشرية المتمثلة في القوى الديموقراطية في سائر أنحاء العالم. مما يثير النزعة الشوفينية لدى السلطة التركية التي ترى وجودها في انتهاء الشعب الكردي أينما كان. بينما الشعب الكردي وموروثه الحضاري يطالب بالعيش المشترك مع كل الشعوب وبات يقود مسيرة الديموقراطية في الشرق الأوسط الذي لا زال يعاني من التخلف المتبقي من الإستعمار العثماني.

نظراً لعدالة القضية الكردية وما تمثل من قيم ديموقراطية حضارية باتت تلقى إهتماماً إقليمياً ودولياً وتأييداً كبيراً، مما يدفع بالسلطات التركية إلى العودة إلى الأساليب والوسائل التي أستخدمها أسلافهم. وباتوا ينظرون إلى كل من يقبل بالوجود الكردي عدواً لهم، ناهيك عن الذين يقيمون العلاقة مع أي طرف كردي على مسار المصالح المشتركة. فباتت الدول الديموقراطية أمثال السويد وفنلندا أعداء لتركيا لأن قوانينها تسمح بالتظاهر والإحتجاج على سياسات الدولة التركية التي هربوا من بطشها ونجوا من إباداتها، وتطالب تلك الدول والحلف الأطلسي أن يكونوا في خندقها في حربها على الكرد، وهي مستعدة للتنازل عن كل شيء في سبيل إتمام الإبادة الكردية. ولكن العالم المتمدن مصمم على عدم التنازل عن منظومة القيم والمعايير التي أسسها من أجل شعوبها ومجتمعاتها وفي سبيل تحقيق الاستقرار والسلام لها وللعالم.

الحرب التي تخوضها الدولة التركية على الشعب الكردي داخل وخارج تركيا أوصلها إلى الإفلاس الاقتصادي، فكل مواردها بما فيها المعونات الإنسانية التي تتلقاها من أوروبا والعالم تذهب إلى الحرب. وكذلك الأموال التي حصلت عليها من أوروبا بالإبتزاز باللاجئين ذهبت إلى الحرب. وإلى جانب ذلك باتت الدولة التركية حليفاً غير مرغوب فيه في الحلف الأطلسي، وباتت في نزاع مع أغلب الدول الأوروبية، ومعادية لكل جيرانها بسبب سياساتها المتهورة، وإذا كانت هناك دول لا تزال العلاقات قائمة معها في المنطقة فهي في سبيل تجنب شرورها وإبتزازها.