لكل السوريين

من اغتال الطبقة الوسطى.. ولمصحة من؟

لطفي توفيق

لطالما كانت الطبقة الوسطى في أي مجتمع..

حارسة لقيمه.. ومطوّرة لمفاهيمها..

ومطوّرة لتطلعاته الفكرية.. والسياسية.. والثقافية.

بقوة هذه الطبقة..

تتعمق القيم الإيجابية..

وتتطور باتجاهات سليمة.. ونبيلة.

وبضعفها أو انهيارها..

تضعف القيم وتنهار.

ولعل هذه المعطيات..

هي التي تمنح هذه الطبقة المقدرة على الإسهام بصناعة القرار.

وتمنحها ميّزة الريادة..

واستكشاف أفضل السبل.. وأقصرها إلى التغيير المستمر نحو الأفضل.

ومن طبائع الأنظمة المستبدة أن تسعى لتكريس.. ثقافة الطاعة..

دون تذمر أو حوار.

وضمان استمرارية هذه الثقافة..

وشرعنة استمراريتها..

لتصبح عرفاً يصعب اختراقه..

ويصعب تجاوزه.

والخطوة الأولى في هذا الاتجاه  تقتضي إضعاف الطبقة الوسطى.

والعمل على تقليم أظافرها بالقمع المباشر تارة،

وبالتفقير تارة أخرى.

وباستعراض سريع لتجارب معظم شعوب المنطقة..

نرى شراسة الحرب على هذه الطبقة بهدف إسقاطها اقتصادياً..

لتسقط كحاملة للفكر التنويري..

وتسقط معها مشاريعها الفكرية والثقافية والسياسية

ولعل نظرة سريعة إلى الوضع في بلادنا..

تبين انقسام مجتمعنا إلى طبقتين..

واحدة تتضمّن فئة قليلة العدد.

وتبدو عليها مظاهر الترف والرخاء.

وتملأ المطاعم والفنادق والشاليهات باهظة الثمن، على مدار الساعة.

وأخرى تتضمّن المجتمع بغالبية شرائحه.

تعيش تحت خط الفقر..

وتعاني لتأمين قوت يومها..

وتملأ الطوابير المنتظرة للحصول على إعانات غذائية..

أو لشراء ربطة خبز..

أو للحصول على مادة تموينية بسعر مخفّض.

ولا هم للفئة القليلة الأولى..

سوى البحث عن سبل تمكنها من زيادة ثرائها الفاحش..

وتخريب القيم النبيلة..

لتستمر في نهب خيرات الوطن..

وتكديسها في خزائنها.. وحساباتها في البنوك المحلية والدولية.

ولا رغبة لها بغير ذلك.

ولا هم للفئة الكبيرة الأخرى..

سوى البحث عن سبل تملأ من خلالها بطون أطفالها الخاوية..

وتستر أجسادهم العارية.

وتجنبهم ذل التسول.. وبشاعة بيع السجائر المهربة.

وقد ترسلهم إلى المدارس المجانية..

ليتعلموا القراءة والكتابة في أحسن الأحوال.

ولا وقت لها لغير ذلك.

أليس هذا أقصر طريق إلى الإجهاز على ما تبقى من الوطن..

وأفضل وسيلة لتشويه ما تبقى من فكرة المواطنة..

والانتماء إلى وطن يحتضن كل أبنائه..

ويقدم لكل أبنائه الدفء والأمان؟!.