حلب/ خالد الحسين
“اشتقنا لصوت بياع الغاز، بس يا حسرة ما في مصاري حتى نشتريها” هكذا وصفت أم ذكرى وهي سيدة من أهالي حي السكري بحلب معاناتها مع اقتناء أسطوانة الغاز المنزلي وقالت: “قبل إسقاط نظام الأسد كنا ننتظر رسالة الشركة بفارغ الصبر لشهرين وأكثر والآن عندما توفرت لم يعد بمقدورنا شرائها فسعرها أصبح بالدولار ومن وين بدنا نلاقيها لنلاقيها”.
وعادت شاحنات بيع الغاز المنزلي إلى شوارع مدينة حلب بعد انقطاع دام لسنوات تغيّرت فيها طرق البيع، إذ غابت أصوات الباعة المسجّلة و”صوت مفتاح الرنش على الاسطوانات”، إلى انتظار رسائل استلام الغاز تغيب لأشهر وتأتي حاملة “الفرج” لسكان المدينة، أو الشراء من السوق الحرّة عبر وساطات وتجّار تحكّموا بأسعارها.
ومع استعادة مدينة حلب وسقوط النظام فيها بداية كانون الأول الماضي استعاد الحلبيون ذاكرة شاحنات الغاز بعد أن استفاقوا على أصوات باعتها يجوبون أحياء المدينة من جديد، هذه المرّة كانت اسطوانات الغاز متوفّرة لكن ثمنها هو ما حرق جيوبهم وحال دون وصولها إلى مطابخهم، ليكتفوا بسماع “طرق المفتاح على الاسطوانة وعبارات غاز -غاز” من منازلهم.
وحدّدت شركة المحروقات السورية “سادكوب” السعر الرسمي لـ اسطوانة الغاز سعة عشر كيلو غرامات بـ 12,28 دولاراً، لكن سعرها اليوم يتجاوز في الأسواق حاجز 15 دولاراً ويصل إلى 17 دولاراً دون رقابة أو محاسبة. يقول من تحدثنا معهم من أبناء المدينة أن سعر اسطوانة الغاز (المدعوم عبر البطاقة الذكية) ارتفع لأكثر من عشرة أضعاف، بينما تجاوز سعر الاسطوانة (غير المدعومة) ضعفي ما كانت عليه في السابق.
أم محمد، أرملة تسكن في حي صلاح الدين وأم لثلاثة أطفال، قالت إنها كانت تنتظر رسالة شركة تكامل (المسؤولة عن توزيع الغاز في مدينة حلب إبان حكم النظام) التي كانت تصلها بمدة زمنية تتراوح بين شهرين وشهرين ونصف الشهر للحصول على اسطوانة غاز بسعر مدعوم (22 ألف ليرة أي ما يعادل 1.5 دولار)، أما سعر أسطوانة الغاز لـ غير المدعومين ببطاقة تكامل فكان يصل إلى نحو 9 دولارات.
أسعار اسطوانات الغاز الجديدة ترافق مع تأخر في قبض الرواتب وهو ما حال دون قدرة المواطن على شرائها، إضافة إلى ارتفاع ثمنها الذي يعادل أكثر من ثلث متوسط دخل مواطن في المدينة، علماً أن متوسط راتب الموظف الحكومي في حلب لا يتجاوز 40 دولاراً، وعامل المياومة نحو 50 دولاراً، يزيد ذلك في قسم من الأعمال ويتراوح بين 70 إلى 100 دولار، بحسب شريحة من السكان استبنا رواتبهم.
وتفاوتت الأسعار بين يوم آخر في حلب لكنها استقرت أخيراً عند سعر 160 ألف ليرة سورية (13,6 دولار وفق سعر الصرف الحالي) عبر الرسالة و180 ألف ليرة سورية (15,38 دولاراً) في السوق السوداء، مخالفة بذلك السعر المحدد من قبل سادكوب.
سليمان الأعرج معتمد لاسطوانات الغاز في حي الأنصاري قال إن “الغاز متوفر عبر سادكوب والكميات مفتوحة، لكن المعتمدين مضطرون لشرائه بالدولار، إذ يبلغ سعر حمولة سيارة من الغاز 200 اسطوانة 2348 دولاراً، كانت في السابق 266 دولاراً عبر تطبيق تكامل الخاص بالبطاقة الذكية”. وبلغ عدد بطاقات تكامل في مدينة حلب قبل استعادتها من النظام 700 ألف بطاقة متوزعة بين (البطاقة المدعومة وغير المدعومة).
يرجع الأعرج وآخرون تحدثنا معهم من بائعي اسطوانات الغاز تفاوت الأسعار عن المحدد في سادكوب بأن معظم بائعي الغاز يأتون من مدينة إدلب، إذ تضاف للسعر المحدد تكاليف النقل وأجرة السيارة والربح، كذلك فرق السعر بين الليرة السورية التي تباع بها الاسطوانة والدولار الذي يضطرون للدفع به لشرائها، والذي يصل أحياناً إلى خمس دولارات في كل 100 دولار.
وتحدّث الأعرج أن قسماً كبيراً من الغاز المنزلي القادم إلى حلب يأتي من محافظة إدلب (غاز تركي)، إذ يمكن لأي معتمد الحصول على الكميات التي يرغب بها بسعر 12,28 دولاراً للأسطوانة الواحدة بوزن 9 كيلو غرامات، أما الاسطوانة المصنعة في معامل الدفاع والتي تتسع لـ 10 كيلو غرامات، فيصل سعر لنحو 13,5 دولاراً، أي بزيادة دولار و22 سنتاً عن السعر المحدد من الوزارة.
ويترافق ارتفاع سعر اسطوانة الغاز مع قلة البدائل المتاحة، إذ تقنن الكهرباء في حلب بواقع 20 ساعة يومياً على الأقل، إضافة لانقطاعها بشكل تام عن أحياء في المدينة، بينما وصل سعر لتر المازوت إلى نحو دولار وربع الدولار، والكاز لنحو دولار ونصف الدولار.
تقول أم خليل، ربة عائلة تسكن في حي جبل بدرو بحلب، إنها تعتمد على المازوت لتشغيل الببور واستخدامه في الطهي، لكنه مرتفع الثمن أيضاً، إذ تحتاج للتر من المازوت كل يومين، وهو ما يعادل ثمن اسطوانة غاز شهرياً.
ربات منازل في حلب، ومنهن أم خليل، تحدثن للسوري عن استخدام الكهرباء (الليزرية) في الطهي في حال توفرّها، غالباً ما يوقظهن وصول الكهرباء في منتصف الليل ليقمن بتحضير وجبة طعام في أي وقت من أوقات النهار. ومع استمرار التقنين وتقطع التيار الكهربائي وانخفاض التوتر لم تعد هذه الخدمة متاحة في الغالب، ما يحول دون قدرتهن على إنجاز وجبة طعام، تقول أم عارف إنها لم تطه لعائلتها منذ ما يزيد عن أسبوع!
في انتظار آلية جدية لدعم الغاز المنزلي والصناعي، وانعكاس أثر ذلك على حياة المواطن في حلب، ما يزال سكان المدينة يدفعون دولاراً على الأقل لشراء سندويشة فلافل واحدة، ما يجعل الحصول على وجبة طعام حلماً لم يحققه استعادة حلب من النظام حتى اللحظة، في الوقت الذي تنتظر فيه ربات المنازل ساعة كهرباء تطهين فيه على عجل ما يسدّ الرمق، وسط أصوات شاحنات تقرع على أسطوانات الغاز إعلاناً بتوفّره دون القدرة على شرائه.