لكل السوريين

غزو تركي يهدد الصناعة

عبد الكريم البليخ

منذ عدّة أشهر، تشهد الأسواق السورية موجة كبيرة من تدفّق المنتجات التركية، حيث أصبحت هذه السلع تحتل حيزاً واسعاً في المتاجر وعلى أرفف العرض، متفوقة في تنوعها وانتشارها على البضائع المحلية. هذا الواقع الجديد لا يمكن النظر إليه فقط من زاوية التبادل التجاري، بل يتعداه إلى كونه تهديداً حقيقياً يطال جوهر الاقتصاد السوري، وتحديداً قطاع الصناعة الوطنية الذي لا يزال يعاني من آثار الحرب والحصار.

تشير التقديرات الأولية إلى أن نسبة واردات سوريا من تركيا تخطت حاجز 20% خلال الفترة ما بين كانون الأول 2024 وشباط 2025. وخلال أربعة أشهر فقط، قدّرت قيمة البضائع التركية التي دخلت إلى سوريا بالمليارات، معظمها منتجات استهلاكية وكمالية تشمل الأدوات الكهربائية، السيارات، المواد الغذائية، وغيرها. هذا الكم الهائل من السلع الأجنبية، الذي يدخل الأسواق دون رقابة حقيقية أو تخطيط استراتيجي، يساهم في إضعاف قدرة المنتج المحلي على الصمود والمنافسة.

إنّ غياب تنظيم عملية الاستيراد يحوّل هذه الظاهرة إلى مشكلة بنيوية تهدد استقرار السوق المحلية. فالمنتجات المستوردة تُغرق الأسواق بأسعار منخفضة، الأمر الذي يجعل الصناعات السورية عاجزة عن منافستها، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج المحلي نتيجة الضرائب المرتفعة، وأسعار الطاقة، ورسوم الجمارك على المواد الأولية. كما أن الجودة المتفاوتة للبضائع المستوردة والمصادر غير الموثوقة لبعضها، تعمق الفجوة بين ثقة المستهلك والمنتج المحلي، وتُضعف من قدرة الصناعة الوطنية على التعافي والنمو.

ورغم أن الانفتاح الاقتصادي على دول الجوار، كتركيا، قد يبدو إيجابياً في ظاهره، إذ يوفر للمستهلك خيارات متنوعة ويعزز التبادل التجاري، إلا أن هذا الانفتاح إذا لم يكن منظماً ومبنيّاً على رؤية وطنية واضحة، فقد يتحول إلى نقمة تهدد الصناعات الوطنية، وتعيد تكرار سيناريو ما قبل عام 2011، حين تسببت سياسة الانفتاح غير المقيدة في إغلاق مئات المصانع وخسارة آلاف فرص العمل.

من هنا، تظهر الحاجة الماسّة لوضع استراتيجية وطنية متكاملة لحماية الصناعات المحلية، تبدأ من إعادة النظر في السياسات الجمركية، وفرض رسوم مناسبة على السلع الأجنبية، إلى جانب تقديم حوافز حقيقية للقطاع الصناعي، مثل تخفيض الضرائب، وخفض أسعار الطاقة، وإعفاء المواد الأولية من الرسوم الجمركية. كما ينبغي إطلاق حملات لدعم المنتج الوطني، وتنظيم مهرجانات تسويقية على مدار العام لتعزيز ثقة المستهلك، والعمل في ذات الوقت على فتح أسواق خارجية للمنتجات السورية، مما يخلق فرص تصدير حقيقية ويدعم الميزان التجاري.

إن حماية الصناعة السورية ليست مجرد خيار اقتصادي، بل هي قضية سيادية تعني الحفاظ على استقلالية القرار الاقتصادي، وتوفير فرص العمل، وتحقيق تنمية مستدامة قائمة على الإنتاج الوطني. فبدون دعم فعلي لهذا القطاع، سيظل الاقتصاد السوري رهيناً لسياسات السوق الخارجية، وضعيفاً أمام أية تقلبات أو أزمات دولية.