تقرير/ مرجانة إسماعيل
تعاني سوريا من أزمة اقتصادية مستمرة مع استمرار العقوبات على سوريا، وعلى الرغم من سقوط نظام بشار الأسد السبب الرئيس للعقوبات، فإن الدول الغربية والولايات المتحدة لا زالت تفرض قيود على الاقتصاد السوري، رغم الوغود بالمنح إلا أن عوائق ومخاوف من غضب أميركا جعل جميع الوعود غير قابلة للتنفيذ.
ورغم جهود أحمد الشرع وحكومته وزياراتهم المكوكية إلا أن لا بوادر لإزالة العقوبات، رغم الوعود الدولية بتخفيفها. لا شك أن واشنطن تفرض شروطاً على الشرع، وتنتظر منه تحقيقها، وإلى ذلك الحين يبقى الاقتصاد السوري مقيد.
حصلت الوفود الدبلوماسية السورية على منح مالية بمليارات الدولارات، لكن أي منها لم يستقر بخزينة البنك المركزي المعاقب دوليا والمعزول عن المصارف العالمية، لذا تواجه سوريا صعوبة في الخصول على تلك المنح.
وعدت السلطات السورية في أيامها الأولى بزيادة الرواتب إلى 400 بالمئة ما جعلها أمام مواجهة شعبية ومراقبة من قبل السوريين الذين ينتظرون الزيادات، لكن يُحسب لحكومة الشرع تخفيض سعر صرف الدولار إلى 10 آلاف ليرة بعد أن وصل إلى حدود 40 ألف قبل يوم من سقوط الأسد.
لكن لم تمر الوعود الحكومية دون سخرية السوريين، التي بدأت بالتساؤل عن طبيعة الوعود والخطط التي تُعلن ولم تتحقق، وعما إذا كانت تلك التصريحات مجرد أوهام تلاشت في غياهب الواقع.
من دون شك، أصبحت الآمال بالفرج تبتعد بعيدا في عقل المواطن السوري، فالمواطن اليوم، بات كرة رياضية يتلاعب بها السياسيون ويتحكمون في مصيرها ومستقبلها. ويتم التلاعب بآماله وتوجهاته ويقدمون له وعودا تبدو وكأنها نور في زمن الظلام، ولكنها في النهاية تتبدد في الهواء كالسحابة الهاربة.
تفاصيل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه سوريا، والتداعيات السياسية والاجتماعية للأزمة الاقتصادية، في ظل تراكم المشاكل وتزايد الضغوط على الشعب السوري، يبدو أنها ليست ضمن خطط المؤسسة التشريعية في البلاد، لأن الهيئة التنفيذية تتفرد بالقرارات، وهذا يدل على انفراجة بعيدة قادمة على سوريا.
من جهته، رأى الأمين العام المساعد في برنامج الأمم المتحدة الانمائي عبد الله الدردري، في مقابلة مع وكالة فرانس برس السبت على هامش زيارته دمشق، أن العقوبات هي من أبرز التحديات التي تواجهها السلطات الجديدة في عملية البناء وإعادة الاعمار عقب الاطاحة بنظام عائلة الأسد إثر نزاع بدأ عام 2011 وكانت له تداعيات هائلة على اقتصاد البلاد.
وقال إن رفع العقوبات هو “أمر يجب أن نعمل عليه، وفي الوقت نفسه يجب أن نبدأ عملية التعافي الاقتصادي حتى في ظل العقوبات”. وأضاف “انتظار رفع العقوبات لن يجدي. يجب أن نعمل بالتوازي”، متابعا “عندما تتاح الخطة الواضحة والأولويات الواضحة، وعندما يتم رفع العقوبات، التمويل سيتدفق على سوريا”.
وتكرر السلطات السورية بقيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الدعوة الى رفع العقوبات التي فُرضت في عهد بشار الأسد، لإنعاش الاقتصاد المنهك جراء النزاع.
وقامت بعض الأطراف، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بتخفيف بعض من هذه العقوبات، الا أنها رهنت القيام بخطوات أكبر، باختبار أداء السلطات الجديدة في مجالات عدة مثل مكافحة “الإرهاب” وحماية حقوق الانسان والأقليات.
وحذّر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة في شباط/فبراير، من أنه في ظل معدلات النمو الاقتصادية الحالية، لن تتمكن سوريا من استعادة مستوى الناتج المحلي الاجمالي لفترة ما قبل النزاع، قبل حلول العام 2080.
وقدرت المنظمة الدولية مجمل خسائر الناتج المحلي بنحو 800 مليار دولار خلال نحو 14 عاما من النزاع. وأبرز التقرير أن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وواحد من كل أربعة عاطل عن العمل، فيما انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من نصف مستواه في عام 2011.
كما أظهر تراجع مؤشر التنمية البشرية الذي يشمل الصحة والتعليم ومستوى المعيشة، إلى ما دون مستواه في 1990، وهو ما يعادل أكثر من 30 عاماً من التقدم التنموي المُهدَر بسبب الحرب.
ورأى الدردري أن “الخسارة الكبرى في الاقتصاد السوري هي خسارة الفرق ما بين ما كان يجب عليه أن يكون الاقتصاد السوري سنة 2025 وأين هو الآن”.
وتابع “كان من المفترض أن يصل الاقتصاد السوري إلى ناتج محلي إجمالي بحوالي 125 مليار دولار في عام 2025 مقارنة بـ62 مليار دولار عام 2010، نحن اليوم لا نتجاوز 30 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي”.
واعتبر الدردري أن أولى مراحل التعافي هي “الانجازات السريعة التي يشعر بها المواطن… مثل بناء مستوصف أو افتتاح محل حلاقة أو مركز رياضي”.
ونبّه لضرورة “أن يعمل المجتمع المدني على توسيع نشاطه لتقديم الخدمات” للمساهمة مع السلطات، و”تحسين خدمات الحكومة بشكل سريع” لكي يشعر “المواطن بأن الشوارع أنظف.. وحركة السيارات والمرور أفضل”، خصوصا “في هذه الظروف الصعبة”.
أسفر النزاع في سوريا عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص ونزوح الملايين. وأكدت الأمم المتحدة مطلع آذار/مارس أن أكثر من 900 ألف نازح داخل سوريا عادوا الى ديارهم منذ الإطاحة بالأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر.
ورأى الدردري أن “التدمير المادي” الذي تعرضت له سوريا كان “ضخما جدا”، والجزء الأكبر كان “في قطاع السكن… 375 ألف منزل دمرت بالكامل وأكثر من مليون ونصف منزل تضررت جزئيا”.
وقدّر كلفة إعادة بناء هذه المنازل بـ”عشرات مليارات الدولارات”، لافتا الى أنه في ظل تراجع التمويل الدولي للتنمية منذ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى البيت الأبيض “لا بد من اجتراح أدوات تمويلية جديدة وفعالة من أجل أن يتمكن السوريون من العودة إلى منازلهم وبنائها”.
ومن المقرر أن يشارك وفد سوري يضم وزيري الخارجية والمالية وحاكم المصرف المركزي، الأسبوع المقبل في اجتماعات الربيع لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن. وأكد مصدر مواكب للاجتماعات أن البحث سيشمل “كيفية مواكبة عملية إعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد السوري بعد سنوات النزاع”، وهي عملية يتطلب تحقيقها “مسارا طويلا”.