لكل السوريين

رأيت.. قرأت.. سمعت..

عبد الكريم البليخ

*رأيت.. رجل في خريف العمر انحنت قامته مع الزمن وملأت التجاعيد وجهه، لا مال ولا بنون. هذا الرجل تقريباً هو أكبر المعمّرين في مدينتنا فقد بلغ التسعين عاماً ونيّف.

هذا الرجل كثيراً ما عمل أجيراً في حقول القطن والذرة والقمح ليكسب زاد يومه هو وزوجته العجوز.. ولكن لما بلغ به الزمن مبلغاً جعله لا يستطيع أن يعمل، اكتفى بالليرات القليلة التي يدفعها له التأمين كغيره من العجزة.

ولكني صعقت أخيراً وأنا أراه يُنظف الحشائش من أحد الحقول وهو يَجرَ نفسه جرّاً.. فلما سألته عن الذي حدى به أن يعمل وقد قبض منذ وقت قصير على ليرات التأمين.. قال لي: نعم قبضت تلك الليرات ولكنني سمعت عن التبرع لمسلمي أفغانستان فتبرعت بها!!.

وهكذا وقفت له إجلالاً وتعظيماً والدموع تنهمر من عيني.

 

*قرأت.. إنّه ابن فرنسا، والعبقري الذي اكتشفه “ديجون” تلك المدينة الصغيرة الواقعة على الطريق بين باريس وجنيف، وكان يعيش في ذلك الوقت مع زوجته تيريز في باريس في حي متواضع عندما التقطت عيناه فجأة إعلاناً لأكاديمية العلوم والفنون والآداب عن جائزة لصاحب أحسن مقال عن “آثار التقدّم الحضاري على الأخلاقيات”، وجلس روسو ليكتب ويكتب.. ولم يكن هو أقل دهشة من أعضاء لجنة التحكيم التي قرّرت منح هذا “الغريب” الجائزة. فقد كانت كل كلمة وكل سطر كتبه روسو يحمل معه ثورة في الفكر. ثم بدأ الفرنسيون يتجهون إليه بعد نشر مقاله.. بعدها حدثهم عن حريتهم الإنســــــــــان. وأصبح كتابه “العقد الاجتماعي” شعاراً للثورة الاجتماعي في ما بعد. ولكن هذا الرجل عاش ومات دون أن يرى ثمرة هذا الفكر الذي امتلأت به عقول وقلوب الملايين من البشر ورحل عام 1778 قبل بداية نشوب الثورة التي أشعل فتيلها منذ أحد عشر عاماً.

 

*طرحت دار “كريستيز” في نيويورك ساعة “رولكس” قديمة  للبيع كان يضعها أسير بريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، واستُخدمت لتنظيم عملية “الهروب الكبير” الشهيرة من معسكر نازي سنة 1944.

وتنظم دار “كريستيز” للمزادات في 9 يونيو (حزيران) مزاداً تُطرح فيه للبيع ساعة “رولكس 3525 مونوبلوكو”، وهي ساعة كان يضعها الملازم الأول في سلاح الجو الملكي جيرالد إيمسون خلال احتجازه في معسكر “شتالاغ لوفت 3” النازي في سيليزيا البولندية.

وشارك في خطة الهروب من المعسكر عبر الأنفاق 250 سجيناً من ضباط بريطانيين وكنديين وأميركيين وبولنديين وأستراليين، وفيما نجح ثلثهم بالهروب أعدم الألمان خمسين من الذين ألقوا القبض عليهم وأطلقوا سراح الآخرين عام 1945.

وتناولت رواية للكاتب والطيار بول بريكهيل هذه الحقائق التاريخية، واقتُبس منها الفيلم الأميركي الشهير “الهروب العظيم” عام 1963 للمخرج الأميركي جون ستورجس ومن بطولة الممثل ستيف ماكوين.

وأشارت دار “كريستيز” على لسان مستشارها للساعات آدم فيكتور، إلى أنّ القيمة التقديرية للساعة تبلغ حالياً نحو مائتي ألف دولار لكنّ تاريخها يجعلها لا تقدر بثمن.

وتعد قصة هذه الساعة استثنائية، إذ استطاع الملازم إيمسون الذي كان سجيناً في المعسكر أن يطلب الساعة الشهيرة من شركة “رولكس” ويتسلمها عبر الصليب الأحمر، وسُمح له بدفع ثمنها بعد انتهاء الحرب.

وقال فيكتور: “عندما وصلت الساعة إلى الملازم، كان التخطيط للهروب الكبير قد بدأ، وكان على الضباط تحديد الوقت الذي يحتاج إليه السجناء لاجتياز المسافة بين الحفرة والغابة عبر الأنفاق”.

وأشارت الرواية التاريخية إلى أنّ جيرالد إيمسون كان السجين الرقم 172 في عملية الهروب، لكنه لم يصل إلى النفق لأنّ الجنود الألمان علموا بالخطة.

ورغم ذلك، نجا الطيار البريطاني من الإعدام على يد القوات الألمانية، وحافظ على ساعته خلال الحرب كلها.

وأوضح فيكتور أنّ سراح إيمسون أُطلق سنة 1945 عندما كان النازيون ينقلون السجناء عبر أوروبا لمحاولة الهروب من قوات الحلفاء، وعاد الملازم إلى زوجته وعائلته وحافظ على الساعة حتى وفاته.

 

 

*سمعت.. يؤكد كثير من الأطبّاء الإخصائيين في علاج الأمراض العقلية أنّ الموسيقى من أفضل الوسائل لمعالجة مرضى الأعصاب.

وقد أدلى أحدهم بتصريح قال فيه: لو أننا خصّصنا في كل مصحّة للأمراض العقلية قسماً خاصاً بالموسيقى، يديره أخصّائيون مدربون يعرفون مدى تأثير الموسيقى في النفوس لكان في ذلك علاج مفيد للمرضى.

وهذا هو ما أخذ به فعلاً أحد مديري المستشفيات في مدينة منهاتن الأميركية     ، فقد عمد إلى عزل فئة من مرضاه، ومراقبة تأثير بعض الأدوار الموسيقية المختارة في عقولهم المضطربة، فكانت النتيجة أن شفت الموسيقى كثيراً منهم.

وقد نظم مدير آخر فرقة من الأوركسترا تعزف أنغامها للمرضى في أوقات الطعام، فكان تأثير الموسيقى في هؤلاء المرضى المصابين بمختلف الأمراض العقلية بالغاً أبعد الحدود.

ويعتقدُ المشتغلون بمسائل العلاج النفسي أنّ المعالجة بالموسيقى تعتمد على الصلة الوثيقة بين التركيب العضوي في جسم الإنسان والأنغام المنظمة، وأنّ تأثيرها يتصل بميكانيكية العقل، لأنها تؤثر في أجزاء من المخ التي تعتبر مركز الاحساس والانفعالات.

ومنذ عامين قام أحد أساتذة الموسيقى بسلسلة من التجارب الطريفة بأحد المستشفيات الخاصة بالأعصاب في شيكاغو، فعزف طائفة من الأغاني الايطالية أمام امرأة مريضة كانت ترفض ارضاع طفلها، فظلت جامدة لا تبدي أقل تأثير بنغمات البيانو حتى بدأ الموسيقار يعزف قطعة معينة، فلم تلبث أن تنبهت لدى سماعها وعادت ترضع وليدها.

وأصيب رجل بالعمى اثر “هيستيريا” حادّة عقب وفاة زوجته، فاستدعى لعلاجه موسيقار معروف عزف له لحناً مفرحاً ـ بعد أن عزف له أنغاماً خافتة في مبدأ الأمر ـ طلبه بنفسه، فلم تمض ثلاثة أيام حتى هدأت أعصابه وهكذا يتبين أن للنغم تأثيراً مختلفاً في حالات المرضى، لما يحدثه في الدورة الدموية بالمخ.