لكل السوريين

الجولة الرابعة للجنة الدستورية.. تناقضات جوهرية.. ونتائج متواضعة وترحيل التراكمات إلى الجولة القادمة

اختتمت الجولة الرابعة من اجتماعات ما تسمى اللجنة الدستورية السورية أعمالها في جنيف، دون تحقيق التقدم الذي كان يتطلع إليه المبعوث الدولي إلى سوريا، فأعاد غير بيدرسون تعليق أمله على تحقيق هذا التقدم خلال الجولة الخامسة المقررة في الشهر الأول من العام المقبل.

ومع أن هذه الجولة عقدت اجتماعاتها بعيداً عن أقلام الإعلاميين وعدساتهم على خلاف الجولات السابقة، إلّا أن ما رشح عن هذه الاجتماعات يشير إلى أن نتائج هذه الجولة كانت قريبة من رؤية المراقبين الذين استبقوا انعقادها بتوقعات استمرار حالة المراوحة في المكان التي ميزت المباحثات منذ بدايتها، وعدم تحقق اختراقات مهمة لحالة الجمود الذي رافق جلساتها.

وخلال هذه الجولة حاول وفد الحكومة تركيز المناقشات على مسألة الإرهاب والتطرف والمؤامرة على سوريا والعقوبات الدولية عليها، وملف اللاجئين، وفرّق بين اللاجئ والمهاجر بالنسبة للعودة إلى سوريا.

بينما سعى وفد المعارضة إلى التركيز على ملفات الحل السياسي، وصياغة الدستور الجديد، وضرورة أن يضمن فصل السلطات والمواطنة المتساوية، وحقوق اللاجئين والنازحين، ويمنع تكرار عمليات الخطف والاعتقالات، ويحقق العدالة.

تناقضات جوهرية

تحدثت أوساط الوفد الحكومي عن وجود تناقض جوهري بين تبعية الوفد المعارض للنظام التركي، وبين ضرورة إقرار هذا الوفد برفض أي احتلال من أي دولة على التراب السوري، بما في ذلك الاحتلال التركي، الذي لا يرغب القائمون على “الهيئة العليا للمفاوضات” برفضه أو الإشارة إليه”.

كما تحدثت عن وجود تناقض بينه وبين وفد الحكومة حول رفض الوفد المعارض إدانة الإرهاب وحمل السلاح من قبل قوى لا تتبع للدولة.

واتهمت الأوساط الحكومية وفد المعارضة المدعوم من الخارج بالعمل على خلط الأوراق، والمراهنة على متغيرات إقليمية ودولية قد تغير من حالة التراجع المتواصل للدعم الخارجي، والتشكيك المتصاعد بحقيقية تمثيله لمصالح الشعب السوري، وقدرته على التعبير عن أي إرادة مستقلة.

في حين حمّلت المعارضة الوفد الحكومي مسؤولية التلاعب والتملص والعرقلة بخصوص جدول أعمال اجتماعات اللجنة الدستورية، والوقت المفتوح، واتهمت روسيا بالسعي إلى سحب اللجنة الدستورية من رعاية الأمم المتحدة ووضعها تحت سيطرتها.

وأشارت إلى أن محاولات عقد الجولة الأولى استمرت أكثر عام من منذ الاتفاق على تشكيلها، وأكدت على مسؤولية الحكومة السورية في التباطؤ بتشكيل الوفود، وصعوبة الاتفاق على ولايتها، والقواعد الإجرائية، وتعقيدات جلسات اللجنة.

محاولات لبناء الثقة بين الأطراف

حث الموفد الأممي إلى سوريا، على تحقيق تقدم في خط محادثات صياغة الدستور السوري، ووضع حد للحرب التي تشهدها البلاد منذ تسع سنوات.

وقال بيدرسون، خلال مؤتمر افتراضي عشية انعقاد جولة محادثات الجنة الدستورية “نريد أن نلمس تقدماً في عمل اللجنة الدستورية”.

وأضاف: “بعد عشر سنوات على الصراع في سوريا، تشكلت فجوة ثقة عميقة بين الأطراف، وكان علينا أن نعمل لمعالجتها ونحن نعلم أن هذا يستغرق وقتاً”.

وأعرب عن أمله أن يكون ما تحقق “بداية لبناء الثقة بين الأطراف، وأن يكون مدخلاً إلى عملية سياسية أوسع نعالج من خلالها مواضع أخرى مهمة، ومنها ملف المخطوفين والمعتقلين والمفقودين”.

وعن تطلعه إلى أن يمهد التقدم في هذه الجولة، إلى محادثات موسعة “يمكن أن تقربنا من بدء البحث حول المبادئ الدستورية المحادثات في الجلسة القادمة”.

وأشار المبعوث الأممي إلى أهمية الدعم الدولي لجهود اللجنة، موضحا أن هذا الدعم أصبح ممكنناً بعد أن أجرى زيارات دبلوماسية مكثفة في الأسابيع الأخيرة، شملت طهران، وموسكو، وأنقرة.

وسبق أن أشارت نائبة بيدرسون إلى النتائج المتواضعة التي تم إنجازها، وقالت خولة مطر “الجميع يعلم بأن اللجنة لم تحرز بعد ذلك التقدم الذي كنا نأمله”، لكن التزام الأطراف السورية بحزمة الاجتماعين المقبلين، وجداول الأعمال المتفق عليها، يمثل فرصة مهمة لأعضاء اللجنة للانخراط بحسن نية وبطريقة عملية للمضي قدماً بالعملية السياسية”.

كما أشارت إلى أن المسار الدستوري لا يمكنه بمفرده حل الأزمة، “ويجب أن يكون عمل هذه اللجنة التي يقودها السوريون مصحوباً بخطوات متبادلة ومعززة من قبل الفاعلين السوريين والدوليين حول مجموعة من القضايا الواردة في القرار 2254.

جولات متعددة.. ونتائج متواضعة

وكانت الجولة الأولى من محادثات اللجنة الدستورية التي عقدت نهاية الشهر العاشر من العام الماضي، قد اختتمت أعمالها دون نتائج تذكر، ولكنها “سارت بشكل أفضل مما كان يتوقع معظم الناس”، حسب بيدرسون الذي أشار إلى أن اللجنة ناقشت العديد من القضايا المهمة بطريقة مهنية وناجحة، وفي مقدمتها سيادة سورية ووحدتها وسلامة أراضيها، إضافة إلى مواصلة مكافحة الإرهاب.

كما انتهت الجولة الثانية من محادثات اللجنة في تشرين الثاني من العام نفسه، دون اجتماع اللجنة المصغّرة المعنية بالتفاوض بشأن الدستور، بسبب خلافات بين وفد الحكومة ووفد المعارضة حول جدول الأعمال.

وأعلن بيدرسون فشل هذه الجولة التي استمرت لمدة أسبوع دون أي اجتماع.

وانتهت الجولة الثالثة التي عقدت في الرابع والعشرين من الشهر الثامن هذا العام، بلا تقدم يذكر، لوجود خلافات حول التسميات، واعتراض وفد المعارضة على تسمية الوفود الحكومية بـ “الوفد الوطني”. مع أن بيدرسون أشار إلى وجود نقاط مشتركة بين المشاركين فيها، وإلى رغبتهم باستمرارها.

واعتبر مصدر من وفد المعارضة أن أجواء الجلسات كانت إيجابية بشكل عام، وأكد أن معظم النقاط التي تم بحثها تمركزت حول جدول الأعمال المتفق عليه، وتناول البحث بعض المبادئ والأسس الوطنية التي يجب أن يتضمنها الدستور الجديد.

ووصف عضو من وفد المجتمع المدني في اللجنة، الجلسات بأنها كانت جيدة، وأشار إلى أن الاجتماعات ناقشت المبادئ والأسس الوطنية وفق ولاية اللجنة الدستورية، وأسست للدخول بالعملية الدستورية.

إلّا أن هذه الجولة انتهت أيضاً بلا تقدم يذكر، في ظل غياب التوافقات بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على الأرض السورية.

وبعد انتهاء الجلسة الثالثة، قدم بيدرسون إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي، في السابع والعشرين من شهر تشرين الأول الماضي، حول التطورات السياسية والعسكرية في سوريا.

وأكد أنه لم يصل إلى أي اتفاق مع أي طرف من أطراف اللجنة الدستورية، لكن المباحثات انصبت على إنجاح الحل السياسي، “استغلالاً لانخفاض وتيرة العمليات العسكرية في سوريا”، بعد الاتفاق الروسي والتركي في شهر آذار الماضي.

عقبة ملف اللاجئين

شكل الخلاف على ملف اللاجئين السوريين عقبة رئيسية في سير محادثات اللجنة الدستورية السورية المصغرة في جنيف، حيث طرح الوفد الحكومي ملف عودة اللاجئين، وكما في الملفات الأخرى، سيطر الخلاف بين الطرفين على نقاش في هذا الملف، وكانت وجهات النظر متباعدة.

واعتبر وفد الحكومة السورية أن الوقت قد حان لعودة اللاجئين، ووقف الاستغلال السياسي لهذا الملف من قبل بعض الدول، وخاصة تركيا، واعتبر انعقاد مؤتمر اللاجئين بدمسق في تشرين الثاني الماضي، بمثابة إعلان عن استعداد الدولة السورية لاستقبالهم.

وأكد الوفد على أن الملف الإنساني “لا يُجزأ ويجب ألا يخضع لازدواجية المعايير كما يحدث في الملفات الأخرى، فيتم التفريق بين معاناة جزء من السوريين عن معاناة جزء آخر، واستغلال معاناة السوريين في الداخل والخارج”.

بينما أجمعت مداخلات أعضاء وفد المعارضة على أن “الأمن غير متوفر” حتى الآن لعودة اللاجئين، وأن “العودة الآمنة والكريمة لهم مرتبطة بالتوصل إلى حل سياسي شامل وتطبيق القرار الدولي 2254”.

وأكد وفد المعارضة أنه من دون تطبيق هذا القرار فإنه من الصعب إقناع السوريين بالعودة، وأشار إلى أن بحث “الملفات الانسانية ليست من اختصاص اللجنة الدستورية، بل من مهمة هيئة التفاوض، وأن مهمة اللجنة هي التوصل إلى نصوص دستورية تكفل حقوق اللاجئين وتكفل عدم حصول هذه المآسي لاحقاً”.

اللجنة مهمة رغم العراقيل

يرى المراقبون أن الوضع في سوريا متشابك مع الملفات الإقليمية والدولية، لا سيما أن الدول المشاركة عسكرياً في الميدان السوري لم تستطع التوصل إلى تحقيق تام لوقف إطلاق نار شامل في البلاد حتى الآن، وهو ما يعطل سير أعمال اللجنة في جولاتها المتتالية.

وتعد اللجنة الدستورية واحدة من أربع سلال أساسية ضمن قرار مجلس الأمن رقم 2254، وتأتي أهميتها، سواء أثمرت جهودها، أم لم تثمر بسبب محاولات تعطيل أعمالها، أو عدم الانخراط الجدي من أحد الأطراف فيها، سيؤدي فشلها إلى تفعيل العملية السياسية لتنفيذ القرار.

وينص القرار الصادر عن مجلس الأمن عام 2015، على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكماً ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.

ويحدد القرار جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملاً بالدستور الجديد، في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة.

نتائج هزيلة.. وأمل بالجولة القادمة

شهدت الجلسة الختامية لهذه الجولة توتراً شديدا بين وفد المعارضة والوفد الحكومي، وانسحب وفد الحكومة وستة أعضاء من وفد المجتمع المدني من هذه الجلسة “احتجاجاً على تهجم عضو من وفد المعارضة على الدولة السورية والجيش والمواطن السوري”، حسب الإعلام السوري الذي ذكر أيضاً أن إدارة الجلسة من قبل رئيس وفد المعارضة لم تفسح المجال لنقاط النظام التي سجلت للاعتراض على ما جاء في كلمة أحد أعضاء وفده “خلافاً لمدونة السلوك المتفق عليها”.

واتهم الإعلام وفد المعارضة بـ “تعطيل أعمال اللجنة وإفشال أعمالها في الساعة الأخيرة”.

لكن المبعوث الأممي، غير بيدرسون، استوعب الأمر وأعادهم إلى الجلسة.

وأنهت الجولة الرابعة لاجتماع اللجنة الدستورية السورية المصغرة أعمالها دون تقدم يذكر في ظل اختلاف الرؤى حول المفاهيم والمبادئ الأساسية، بين وفد المعارضة والوفد الحكومي من جهة، وعدم توافق الدول المتحكمة بالشأن السوري على حلول له، من جهة أخرى.

وأعرب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا عن أمله في البدء بعمليات صياغة المبادئ الأساسية للدستور خلال الجولة الخامسة من محادثات اللجنة الدستورية.

وأشار بيدرسون إلى صعوبة الأمر، والحاجة إلى بذل جهود مكثفة للبدء به، وقال “الموضوع صعب، وقد لا يحدث بالسرعة التي نرغب فيها، لكن بعد أن استمعت للوفود الثلاثة، لا زلت أؤمن أن هناك إمكانية إحراز تقدم إن وجدت الإرادة السياسية”.

وأعلن بيدرسون في مؤتمر صحفي عقده بعد انتهاء محادثات الجولة اتفاق الوفود الثلاثة على جدول أعمال الجولة الخامسة التي تم تحديد موعدها بمدينة جنيف السويسرية، في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني من العام القادم.

تقرير/ لطفي توفيق