لكل السوريين

في عشرة أعوام فقط.. ثقافات دخيلة أهلكت المجتمع السوري

تقرير/ ميزر الشهاب 

أدت الحرب التي دخلت رسميا قبل يومين عامها العاشر إلى تغيير كبير طال الثقافة السورية والتراث السوري بشكل كبير، ما جعل مناطق واسعة من الجغرافية السورية على أعتاب تغيير ديموثقافي كبير.

وكان الترابط بين التراث السوري المتعدد في أعتى درجات التواصل رغم أن الحكومة السورية ساهمت بشكل كبير في منع مكونات من الشعب السوري من ممارسة ثقافتها على الأرض السورية بشكل مريح.

وفرضت الحكومة السورية على المكون الكردي والسرياني والآشوري التقيد باللغة العربية، ومنعتهم من التكلم بلغتهم الأم في طمس واضح لثقافات سورية أصيلة.

وبعد دخول الأزمة، حدثت عدة متغيرات على المستوى الثقافي في البلاد، حيث لعبت عدة قوى دولية وطائفية دورا كبيرا في إدخال ثقافات على الثقافة السورية الأصيلة.

التشيّع

دخلت القوات الإيرانية إلى الساحة السورية منتصف العام 2012، وساهمت بشكل كبير إلى جانب الروس في استعادة الحكومة السورية لمساحات شاسعة كانت قد خرجت عن سيطرتها تباعا.

الدخول الإيراني كان عبر فتح الطريق لميلشيات تتبنى النهج الشيعي، حيث باشرت تلك المليشيات بتغيير كبير في الثقافة السورية، على الرغم من بروز بعض حالات التشيع في سوريا في السنوات القليلة التي سبقت الأزمة.

وتعتبر منطقة السيدة زينب بالريف العاصمي إحدى أكبر الأماكن التي تم تشييعها بالكامل، حتى باتت أشبه بمزارات إيرانية، يرتادها أفغان ومن مختلف الجنسيات التي تتبنى النهج الشيعي.

وبعد استعادة الميلشيات الموالية لإيران السيطرة على بادية تدمر وصولا للحدود العراقية فتحت المجال أمام التشيع، فساهمت عبر الأموال بنشر النهج الشيعي في المجتمع السوري، حتى باتت أرياف دير الزور غربي النهر إحدى أهم مقرات المليشيات المحسوبة على إيران، والتي تمتد للحدود العراقية التي سيطر عليها الحشد الشعبي العراقي المقرب من إيران.

وساهم حزب الله بشكل كبير في إقامة مقرات انتساب وتشيع في الجنوب السوري، حيث يحاول الحزب بدعم إيراني مطلق بناء قاعدة إيديولوجية على مقربة من الحدود مع إسرائيل.

وعلى الرغم من استهداف إسرائيل المتكرر للمقرات التي شيدها حزب الله في الجنوب إلا أن نسبة الإقبال على الانضمام للحزب لا تزال كبيرة.

ومع أن روسيا شكلت فيلقا كبيرا محسوب على القوات الحكومية أسمته الفيلق الخامس إلا أن الخلافات بين المقاتلين السابقين بين صفوف المعارضة وفصائل حزب الله وميلشيات إيران لم تلعب دورا كبيرا في تقليص نفوذ حزب الله، ومحاولاته في نشر الثقافة الشيعية.

التتريك

مع بدأ الأزمة السورية تبنت دولة الاحتلال التركي جبهات المعارضة، فساهمت بشكل كبير في دعم كافة التشكيلات العسكرية التي عارضت الحكومة وحاربتها.

وفتحت تركيا حدودها بالكامل أمام كافة المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا بغية “الجهاد”، وسرعان ما تحولت مناطق شاسعة في سوريا لمراتع للتنظيمات المتطرفة الموازية لتنظيم القاعدة والمبايعة له، والمنشقة عنه كما في تنظيم داعش الذي سيطر لمدة أربع سنوات على مساحات واسعة في سوريا.

وتحتل تركيا حاليا مساحات واسعة من الجغرافية السورية، ففي شمال غرب سوريا تحتل منطقة جغرافية تبدأ من جرابلس بريف حلب الشرقي وتمتد حتى إدلب أقصى زاوية سوريا الشمالية الغربية.

وفي شمال شرق البلاد احتلت تركيا منطقة واسعة أشبه بمستطيل على حدودها الجنوبية، تبدأ تلك المنطقة من رأس العين بريف الحسكة وتمتد حتى تل أبيض بريف الرقة الشمالي.

وتشهد المناطق التي تحتلها تركيا حاليا في سوريا مظاهر تتريك تعكس الثقافة العثمانية التي زالت قبل أكثر من قرن، فالليرة التركية هي العملة الرسمية في كل من “الباب، جرابلس، تل أبيض، رأس العين، إدلب، عفرين، إعزاز”.

وفي المدارس، يُلاحظ على مدخل كل مدرسة في تلك المناطق تواجدا للعلم التركي بقياسات كبيرة، بالإضافة إلى صور توحي لرموز أتراك قومويين كانوا قد برزوا أثناء احتلال تركيا لسوريا والعراق أثناء الدولة العثمانية، كما وأن صورة أتاتورك تعد الصورة الرئيسية بين كل تلك الصور، بالإضافة إلى صور كل من سليمان القانوني وسليم الأول وغيرهم الكثير.

وتعد مدينة عفرين المحتلة أكثر المناطق السورية تضررا في كافة النواحي، ومن أبرزها النواحي الثقافية، فقد عاث مرتزقة “الجيش الوطني” خرابا وفسادا بأثار المدينة التاريخية.

ويعد تمثال الأسطورة كاوا الحداد، أحد أبرز الشواهد على التغيير الثقافي الذي قامت به تركيا وميلشياتها المرتزقة في عفرين السورية، حيث يعد التمثال أحد أبرز الرموز التي يعتز بها الشعب الكردي.

صور إسقاط التماثيل ليست حدثاً سريعاً عابراً يمرّ من عمر الحرب في سوريَّا؛ فسبق أن أسقطت فصائل من المعارضة السوريَّة تمثال إبراهيم هنانو، أحد رموز المقاومة السورية للانتداب الفرنسي في مدينة إدلب، وقطعوا رأس تمثال الشاعر أبو العلاء المعريّ في مسقط رأسه بمدينة معرة النعمان بريف مدينة إدلب. حينها تذرعت فصائل في المعارضة السوريَّة بأنَّ المقاتلين ظنّوا أنَّ تلك تماثيل تعود الى حافظ الأسد.

موقع النبي هوري، أيضا أحد الأثار السورية التاريخية التي تم تدميرها وسرقتها على أيادي المرتزقة، وعلى مرأى الحكومة السورية التي التزمت موقف المتفرج، ولم تخرج بتصريح رسمي إلا بعد أكثر من شهر حيث أدان بشار الجعفري وقتها ما حدث للموقع.

وكانت مديرية الآثار في عفرين قد أشارت في وقت سابق إلى تعرّض موقع تل كتخ الأثري لعمليات نهب وتدمير شبه كامل، من قبل الاحتلال التركي ومرتزقته، إضافة إلى تهريب عدد كبير من القطع الأثريّة إلى خارج البلاد.

ويقع موقع تل كتخ الأثريّ قرب الطريق الواصل بين مركز مدينة عفرين وناحية راجو على تقاطع الطريق المؤدّي إلى ناحية شيه.

وأكّدت مديرية الآثار في عفرين على أنّ الدولة التركية ومرتزقتها، إبّان الهجوم على عفرين عمدت إلى إجراء الحفريات التخريبيّة في محيط موقع تل كتخ الأثريّ، مستخدمة الآلات الثّقيلة.

وجرت الحفريات في ثلاث نقاط في محيط الموقع الأثري، الأولى تقع شرقي التل المرتفع في المنطقة الواقعة بين جسر القطار وقاعدة التل المرتفع من الشّرق، أمّا الثانية تقع قرب نقطة التقاء الطريق العام باتجاه ناحية راجو وطريق ناحية شيه وشمالي سكة الحديد، والثالثة تقع غربي الطّريق العام باتجاه ناحية راجو.

وبيّنت المديرية أنّ مساحة عمليات التخريب والنبش طالت قرابة (5000) م2 بحسب المعلومات التي حصلوا عليها في عام 2018، منوّهةً إلى وجود كرفانات وخيم وآليات ثقيلة بالقرب من الموقع الأثري وهذا ما يتّضح بأنّ مجموعة كبيرة تعمل على تخريب ونبش موقع تل كتخ الأثري.

وأوضحت المديرية وبحسب المعلومات التي حصلت عليها في تموز/ يوليو لعام 2019 والتي تشير إلى امتداد الحفريات التخريبية إلى التلّ المرتفع (الأكروبول) وتخريب مساحة واسعة من الأكروبول تقدّر بحوالي (18000)م2 وإزالة بعض أشجار الزيتون، إضافة إلى  حفر مساحة واسعة في النقطة الثالثة قرب طريق راجو والتي وصلت مساحتها إلى 6 هكتارات.

المديرية لفتت بأنّ الاحتلال التركيّ والمجموعات المرتزقة تواصل تدمير وتخريب المواقع والتلال الأثرية ونهب محتوياتها وتهريبها إلى خارج سوريا في ظلّ التعتيم الإعلامي والصمت الدولي الذي أدّى إلى تفاقم الوضع داخل عفرين والاستمرار في ارتكاب الانتهاكات بشكل ممنهج ومتواصل، فلم يبقَ أي موقع أثريّ إلّا وتعرّض للتخريب. مؤكّدة صعوبة الحصول على الوثائق والأدلّة لتوثيقها، وخاصّة أنّ مدينة عفرين مغلقة أمام العالم من الداخل والخارج.

ومع احتلال المرتزقة لمدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي، عمد المرتزقة إلى تدمير الكنيسة فيها، في فعل أثار غضب مسيحيي سوريا والعالم، وشبّه العديد من رواد التواصل الاجتماعي ما حدث في الكنيسة وقتها بحادثة تغيير الكنيسة التركية “أيا صوفيا” لمسجد، في مشهد يوضح التزمت التركي من الديانات الأخرى.

ثقافة القتل

ساهم تنظيم داعش الإرهابي بخلق ثقافة لم تكن موجودة ضمن المجتمع السوري، فمنذ سيطرته على مناطق شاسعة في سوريا والعراق باشر إرهابيو التنظيم بارتكاب جرائم مروعة بحق معتقلين من العراق وسوريا.

وتفنن إرهابيو التنظيم بحالات الإعدام التي كانت تقام أمام الملء، كانت الغاية منها فرض ثقافة أمر واقع بين شرائح المجتمع السوري، مستخدمة الدين كأداة لفرض تلك الثقافات.

ولم تكن ثقافة القتل وحدها هي السمة التي تميز التنظيم الإرهابي عن غيره، فالقتل الميداني بات يُمارس من قبل التنظيمات الإرهابية الأخرى كـ “جبهة النصرة، مرتزقة العمشات، مرتزقة الجيش الوطني”، وغيرهم الكثير، ناهيك عن الممارسات التي كانت تمارسها الميلشيات الإيرانية هي الأخرى.

ووثقت فيديوهات كثيرة ما فعله مرتزقة داعش بالآثار السورية والأماكن الأثرية، فبحجة الدين دمر إرهابيوه أماكن ورموز تاريخية تمتد لآلاف السنين، كما في مدينة تدمر على سبيل المثال.

أبرز الأثار التي تم تدميرها على يد مرتزقة داعش الإرهابي هي واجهة المسرح الروماني في تدمر، كما دمّر التترابيلون الأثري الذي يتكون من 16 عمودا.

وكان التنظيم استولى المرة الأولى على تدمر في مايو العام 2015، وارتكب طوال فترة سيطرته عليها أعمالا وحشية، بينها قطع رأس مدير الأثار في المدينة خالد الأسعد (82 عاما). كما دمر أثارا عدة بينها معبدي بعل شمسين وبل.

وارتكب التنظيم ايضا وقتها عملية اعدام جماعية لـ 25 مقاتل من القوات الحكومية على المسرح الروماني. وكان مقاتلو التنظيم الإرهابي يعتبرون معركة تدمر ثقافية وليست سياسية.

ونقل المرتزقة الذين جاؤوا لسوريا من كافة أصقاع الأرض لإضفاء ثقافات بلدانهم مصبوغة بصبغة دينية إلى المجتمع السوري، ولا سيما الذين تزوجوا من سوريا وأجبروهن على تعلم ثقافات بلدانهم.

ثقافة السرقة والتشليح

الفقر أيضا ساهم في ظهور ثقافات مختلفة في سوريا، لم تكن معهودة في المجتمع السوري، ومن أبرزها السرقة والتشليح، والتي بات يعتمدها أشخاص كُثر كمهنة لمعيشتهم.

ولعب غياب القانون والضوابط الأخلاقية تمددا لتلك الحالات، والتي تنتشر بكثرة في شمال غرب البلاد، التي تعيش في فوضى عارمة جراء سيطرة التنظيمات الإرهابية عليها.

أما الإتاوات، فقد تم تشريعها كوسيلة لتبرير حالات الخطف التي تمارس في مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية المرتزقة في شمال غرب البلاد أيضا.

ويعد أهالي عفرين الأكثر تضررا من تلك الوسائل اللاأخلاقية المتبعة في المدينة التي احتلتها تركيا منذ ثلاثة أعوام.

وظهرت هذه الآفات مع سيطرة فصائل ما كانت تعرف بـ “الجيش الحر” على معظم الأرياف السورية.