حماة/ جمانة الخالد
يشكّل تراجع أسعار الثوم في سوريا هذا العام حالةً دراسيةً حول اختلالات السوق الزراعي وتأثير السياسات الحكومية على القطاع الزراعي، حيث تُظهر التقلبات الحادة في الأسعار (من 75 ألف ليرة للكيلو عام 2022 إلى 6500 ليرة عام 2023) هشاشة النظام التسويقي وغياب التخطيط الاستراتيجي.
وشهدت أسعار الثوم في سوريا هذا العام تراجعاً ملحوظاً مقارنة بالعام الماضي، حيث انخفض سعر الكيلو من نحو 30 ألف ليرة في الموسم السابق إلى 6500 ليرة للثوم ذي الحبة الصغيرة، و7500 ليرة للحبة الكبيرة.
وعزا تجار هذا التراجع إلى الإنتاج الوفير في محافظة حماة، المعروفة بثومها ذي الحبة الكبيرة والمرغوبة، في ظل الكميات الكبيرة التي خرجت من منطقة الغاب ومحيط حماة، ما أدى إلى إغراق السوق المحلي وتراجع الأسعار بشكل لافت.
وأشار مزارعون إلى أن كيلو الثوم المحلي يُباع بالجملة في سوق الهال بنحو 5 آلاف ليرة، في حين يُباع الثوم من سهل الغاب ذو البذرة الصينية الكبيرة بنحو 6 آلاف ليرة.
وهذا الارتفاع الكبير في الأسعار العام الماضي دفع المزارعين إلى التوسع في زراعة الثوم، ما أدى إلى إنتاج وافر هذا الموسم، في حين بقي الطلب ضمن مستوياته المعتادة، وهو ما تسبب في تراجع الأسعار إلى هذا الحد.
وأسهم النظام المخلوع، بشكل مباشر في أزمة ارتفاع أسعار الثوم العام الماضي، بسبب سماحه للتجار باحتكار المادة وتخزينها في برادات “السورية للتجارة” التي أُجّرت لهم، بدلاً من استخدامها لتخزين المحصول وضبط السوق.
وبلغ سعر الثوم في أسواق دمشق ما بين 50 و75 ألف ليرة للكيلو الواحد، في واحدة من أقسى موجات الغلاء التي طالت المنتجات الزراعية، العام الماضي.
وعزا خبراء اقتصاديون أسباب الأزمة إلى سياسات النظام المخلوع، الذي سمح للتجار باحتكار المحصول وتخزينه في برادات “السورية للتجارة”، بدلاً من قيام المؤسسة بتخزينه وضبط توزيعه. ما أفقدها دورها التدخلي، وحوّلها إلى جهة ربحية تخدم مصالح السوق لا المستهلك.
كما ساهم غياب الرقابة، وضعف أداء “حماية المستهلك”، وغياب أي خطة لتسويق المحصول بالشراكة مع الفلاحين، في تفاقم الأزمة، وسط تجاهل حكومة النظام المخلوع للمطالب المتكررة بكسر الاحتكار ودعم الإنتاج المحلي.
وتُثبت تقلبات الأسعار تُثبّت صورة “الزراعة المغامرة” عوضاً عن كونها نشاطاً مستقراً، مما يدفع المزارعين إلى التحول لمحاصيل أخرى قد تُعيد الأزمة نفسها لاحقاً (مثل البطاطا أو البصل). فالبرغم مز انخفاض الأسعار، لا يُعتبر ذلك مؤشراً على تحسن اقتصادي، بل نتيجة اختلال العرض والطلب، حيث لا يزال المستهلك يعاني من ارتفاع أسعار سلع أساسية أخرى (مثل الزيت والسكر).
ولا تعتبر أزمة الثوم مجرد تقلص سعري عابر، بل نتاج غياب رؤية شاملة لإدارة القطاع الزراعي، لذا يتطلب تحقيق الاستقرار تحولاً جذرياً من النهج الريعي القصير الأمد إلى سياسات تعتمد على التخطيط العلمي للمحاصيل الاستراتيجية، وتمكين المزارع عبر توفير أدوات التمويل والتسويق، وتفعيل الرقابة على سلاسل التوريد.